سؤال عن معنى الكفر العملي والكفر الاعتقادي وضرب الأمثلة الموضِّحة للفرق بينهما ؟
A-
A=
A+
السائل : في الحديث الصحيح الرجل الذي أوصى أبناءه بأن يحرقوه من أيِّ نوع كفره ؟
الشيخ : من أيِّ نوع ؟ تقصد ... ؟
السائل : كفر عمل .
الشيخ : لا ، اعتقادي ، هذا كفر اعتقادي ، لكنه كفر بغفلة ؛ لأنَّ الحديث يقول : ( كان فيمَن قبلَكم رجل لم يعمَلْ خيرًا قط ، فحَضَرَتْه الوفاة ، فجمع أولاده حولَه فقال لهم : أيُّ أبٍ كنْتُ لكم ؟ قالوا : خيرَ أبٍ ) .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام .
قال : ( فإنِّي مذنبٌ مع ربي ، ولَئِن قَدِرَ الله عليَّ ليعذِّبَنِّي عذابًا شديدًا ، فإذا أنا متُّ فخذوني وحرِّقوني بالنار ، ثم خذوا نصفي - يعني من الرماد - فذَرُّوه في الريح ، والنصف الآخر في البحر ) . مات الرجل ، حرَّقوه ، أخذوا الرماد ، قسم بهالريح العاصف ، وقسم بهالبحر المائج ، فقال الله - عز وجل - لذرَّاته : كوني فلانًا .
السائل : سبحان الله !
الشيخ : فكانت بشرًا سويًّا ، قال - تعالى - : ( ما حَمَلَكَ على ما فعلت ؟ قال : خشيتُك ) أنا خفت منك . ( قال : فقد غفرْتُ لك ) . هذا من هول ما تصوَّر من العذاب مقرونًا باعترافه أن الله إن عذَّبه فبعجزه سلَّط عليه الخوف والخشية ، وطلع منه الكفر ، فغفر الله له .
وهذا الحديث في الواقع - أيضًا - ممَّا يُردُّ به على " جماعة التكفير " ، زايد ما يسمِّيه العلماء بأهل فترة ، فليس كلُّ مَن كفر وقع الكفر عليه ، وإنما يجب أن يُدرس وضعه ، فإن كان عرف أنه كفر وأُقِيمَتِ الحجَّة عليه ، ثم أصرَّ على كفره وعلى ضلاله فهو الكافر المُخلَّد في النار ، وهو الذي هو وأمثاله يُقصد بالآية السابقة : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) . هذا العاصي الذي يعصي معصية فيها الكفر بالله ما ينبغي نحن أن نبادر إلى تكفيره ، وإنما علينا أن ننبِّهَه .
نحن نقرأ في حديث ابن عباس - مثلًا - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في الصحابة يومًا ، فقام أحدهم وقال : " ما شاء الله وشئْتَ يا رسول الله " . قال : ( أَجَعَلْتَني لله ندًّا ؟! قل ما شاء الله وحده ) . نحن نقدر نقول كفر ، لكن ما كفر ؛ ليه ؟ نقدر نقول كفر لأن الرسول قال له : ( أَجَعلْتَني لله ندًّا ؟! ) لكن ما نقدر نقول كفر لأنه ما عامله معاملة الكفار ، لو عامله معاملة الكفار بيحضّره بين يديه يستتيبه ، فإن تاب وإلا قُتِل ، وبيجدِّد العقد على زوجته لو كان إيش ؟ كَفَرَ كُفْرَ ردَّة ، لكن لا ؛ هذا ما كفر ، لَكان ماذا فعل ؟ نطق كلمة الكفر ، لكن مجرَّد أن ينطق المسلم بكلمة الكفر وهو لا يعني بقلبه الكفر فهو ليس بكافر ، من أجل ذلك أهل العلم والتحقيق من جماعة التوحيد يقسموا الكفر قسمين وقسمين ؛ أربعة أقسام ، قسمين وقسمين ، التقسيم الأول : كفر عملي وكفر اعتقادي . والتقسيم الثاني : كفر لفظي وكفر قلبي .
الكفر القلبي بيقابل الكفر الاعتقادي ، الكفر العملي بيقابل الكفر اللفظي ، فإذا الإنسان إذا تلفَّظ بكلمة الكفر فلا يعني ذلك أن نحشُرَه في زمرة الكفار فورًا دون أن نعرف شو قصده من هذه الكلمة ، خذوا المثال الشَّائع اليوم خاصَّة في هذه البلاد التي - مع الأسف الشديد - ما سبق أن وُجِدَ فيها دعاة توحيد ، دعاة التوحيد وقفت في حدود السعودية قديمًا ، فهنا وفي سوريا في مصر الحلف بغير الله مثل شرب الماء ، طيب ؛ واحد بأدنى مناسبة بيحلف برأس أبوه ، عنَّا بيحلف بشرفه ، بيحلف بشواربه ، ويمكن ما له شوارب !! المهم والرسول يقول : ( مَن حلف بغير الله ؛ فقد كفر ) . شو بقى نحكم على هدول بأنهم كفار ؟ الجواب : لا ، لا بد من التفصيل ، التفصيل يدور حول التَّقسيم الثانوي هذا اللي ذكرناه ؛ شو بتقصد أنت - يا أخي - تقول : وحياة رأس أبي ، وحياة البدوي ، وحياة النبي ، إلى آخره ؟ والله أنا ما أقصد شيء ، بس هَيْ العادة لغوة ماشية على اللسان ، ها ؛ لغوة - يا أخي - ابعِدْ عنها ؛ لأن الرسول يقول كذا وكذا ، لكن في ناس بيدل على أنُّو حلفهم هذا هو الكفر الاعتقادي بعينه ، هذا موجود ، هون ما عرفت لسا البلاد هذه جيِّدًا ولا عرفت عاداتها وتقاليدها وأفكارها وعقائدها ، عندنا في سوريا لك حق عند إنسان ينكروا عليك ، ويحلف أيمان بالله كاذبة ، ويحط يده على المصحف أنُّو ما لك عندي شيء ، مُرْه يحلف يمين عند قبر سيدي فلان بيسلِّم لك بالحقِّ الذي لك عنده .
السائل : الله أكبر !
الشيخ : ما بيحلف بسيده فلان ؛ لأنُّو بيخاف منه أكثر مما يخاف من ربِّه ، لأنُّو إذا حلف بسيده فلان كاذبًا يخاف يجيه في الليل ويبطحه ؛ هيك يعني عندنا تعابير شامية ، أما ربُّ العالمين مش خايف منه ؛ هذا هو الكفر الاعتقادي ، بينما جماهير الناس بيحلفو حلف لفظي ، فنحن ما نكفِّرهم ، لكن ننصحهم ؛ كما كان الرسول - عليه السلام - يفعل مع الصحابة ، وكما كان الصحابة يتجاوبون معه - عليه السلام - ما بيتموا مثل جماعتنا بيقول لك : يا أخي ، اتركه هذا نيته طيبة ! شو اتركه نيته طيبة ؟!! ذات يوم سمعَ - عليه الصلاة والسلام - عمرَ بن الخطاب يحلف حسب عادته في الجاهلية بأبيه ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تحلفوا بآبائكم ؛ مَن كان منكم حالفًا فَلْيحلِفْ بالله أو ليصمِتْ ) ماذا كان موقف عمر ؟ موقف جماعتنا لا . قال : " فوالله ما حلفت بعدها بغير الله آثرًا أو ذاكرًا " . ذاكرًا يعني من نفسه ، آثرًا عن غيره ؛ خلاص حلف بغير الله لا تحلف بغير الله ، ( من حلف بغير الله فقد كفر ) في الحديث الآخر ، وفي لفظ : ( فقد أشرك ) .
لماذا يكون الحلف بغير الله شركًا ؟
لأن عادة الناس التي فُطِروا عليها أنهم لا يحلفون إلا بما هو مقدَّس عندهم ؛ لذلك تجده يحلف بالنبيِّ ؛ لأن النبي عنده معظَّم ، تجد يحلف بابنه ؛ لأن ابنه عزيز عليه ، يحلف يحلف بكلِّ عزيز لديه ، المسلم ما في عنده شيء أعز من ربه - تبارك وتعالى - ؛ ولذلك الذي يُؤثر الحلف بالله على الحلف بغير الله فقد جعله شريكًا مع الله ، هذا النوع من الشرك مع الأسف أكثر المسلمين لا يعرفونه ، ماذا يعرف المسلمون من الشرك ؟ ما عرفه الجاهليون ، الجاهليون عرفوا أن الشرك أن يعتقد أحدهم أنُّو في خالق مع الله ، هذا هو الشرك ، وهنّ بلسان حالهم مو واقعين بهالشرك ؛ لأنُّو صريح القرآن يقول : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ؛ إذًا قوله - تعالى - : (( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) وين الأنداد وهم يعلمون أنهم اتَّخذوا مع الله أندادًا ؟ هون السِّرُّ ، وهون الجهل في الجاهلية الأولى وفي جاهلية القرن العشرين اليوم ، وليس في الكفار بل بالمسلمين ؛ لأن الشرك كالتوحيد ، التوحيد ثلاث أقسام ، يُقابله الشرك ثلاث أقسام .
توحيد الربوبية وهو أن تجعلَ مع الله إلهًا آخر كما جاء في الحديث ابن مسعود في " الصحيحين " : ( أن تجعل لله ندًّا وقد خلقك ) ؛ يعني شريكًا في الخلق ، هذا أكبر الكبائر . توحيد الربويية يقابله الشرك في الربوبية ، مثاله : المجوس الذين يعتقدون بأن هناك خالق للخير وخالق للشَّرِّ ؛ لذلك قال - عليه السلام - : ( القدريَّة مجوس هذه الأمة ) ؛ لأنهم يعتقدون أن الإنسان يخلق الشَّرَّ وربُّنا يخلق الخير ، فهذا شرك في الربوبية ، فتوحيد الربوبية أوَّل شيء يجب أن يكون المسلم مؤمن به ، وهذا سهل مفطور عليه الإنسان حتى الكفار في الجاهلية كما سمعتم كانوا يوحِّدون الله توحيد الربوبية ، وقد جاء في " صحيح مسلم " أنهم كانوا في الجاهلية من ضلالهم يطوفون حول الكعبة عراةً نساءً ورجالًا ، حتى كانت المرأة هاللي كان عندها شوية بقية من حياء حياءَ خجل ، لكن الجهل والعادات والتقاليد تعمي القلوب ، شوفوا اليوم أنتو المسلمون رجالًا ونساءً صباح العيد وين رايحين ؟ بدل ما يروحوا عالمصلي بيروحوا عند القبور ، أنت ذاهبًا وإيابًا بتلاقي ... الناس عاكفين على القبور ، وهدول كانوا يطوفون حول الكعبة عراةً نساءً ورجالًا ، فتقول المرأة الواحدة منهم وهي تُشير إلى فرجها :
" اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه *** فما بدا منه فلا أحِلُّه "
وكانوا في أثناء هذا الطَّواف يقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكًا تملكه وما ملك . شو هالشريك هذا ؟ تملكه وما ملك !! معتقدين بتوحيد الربوبية أنُّو ليس مع الله خالق ثاني ، لكن من أين جاءهم الشرك ؟ النوعين الثانيات ، فالأول قلنا توحيد الربوبية ، النوع الثاني توحيد الألوهية ويُسمَّى بتوحيد العبادة ؛ يعني أنت أيها العبد ما دام آمنت بأن الله هو الذي خَلَقَك وصوَّرَك ؛ فهذا هو الذي يستحقُّ أن تتوجَّه إليه بكل عبادتك ، هنا كان الكفار كفار قريش ومَن دانَ دينَهم يكفرون بهذا التوحيد ، كانوا يعبدون مع الله آلهةً أخرى ، وهذا - أيضًا - كما حكاه في القرآن حكى عنهم إيمانهم بالربوبية ، وحكى عنهم كفرهم بالألوهية ، (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ، والذين اتَّخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم من دون الله إذا قيل لهم : لماذا تعبدونهم من دون الله ؟ قالوا : (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) . إذًا هذا اعتراف منهم بأنَّهم يعبدون أولياءهم ، ولا يعبدونهم لذواتهم وإنما كوسيلة تقرِّبهم إلى الله زُلفى ، فكفروا بتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة ؛ ولذلك - أيضًا - حكى ربُّنا - عز وجل - عنهم أنه قال : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ )) يعني المعبودات جعلها معبودًا واحدًا ؛ (( إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، (( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ )) . وقال ربُّنا في الآية أخرى : (( إِذَا قِيلَ [ لَهُمْ ] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) .
تتضاعف المصيبة حينما نعلم أن الكفار كانوا يفهمون معنى لا إله إلا الله ، لكن لا يخضعون له ، أما كثير من جَهَلَة المسلمين اليوم لا يفهمون معنى لا إله إلا الله ؛ ولذلك فليس هناك استكبار ، وإنما هو الجهل ، فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ؛ فهل المسلمون قاموا بحقِّ هذه الكلمة كلمة التوحيد ؟ هل هم بعد أن آمنوا بتوحيد الربوبية آمنوا بتوحيد الألوهية ؟ مع الأسف نَقَضُوها ، هذا النوع من التوحيد نقضوه ؛ لماذا ؟ لأنهم يأتون إلى قبور الأولياء والأنبياء والصالحين يصلُّون عندهم ، ويستغيثون بهم ، ويتوسَّلون بهم إلى الله وإذا سألتهم ؟ قالوا : ما نعبدهم ، لكن ما يقولوا : ما نعبدهم من جهلهم ؛ لأنهم يفهمون العبادة بمعنى ضيِّق ؛ أنك تقعد تصلي بهذا القبر ، لأ وما بيصلي ، لكن يقول : يا فلان ، أغِثْني ما يعرف أنُّو هذا صلاة وعبادة له ، ما بيعرف لما يقرأ في سورة الفاتحة : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) أنُّو الاستعانة بالميت هو عبادة له ، ما بيعرف أنُّو هذه عبادة ؛ ولذلك إذا سألته : أنت تعبد غير الله ؟ يقول لك : أعوذ بالله !! لكن هو منغمس بهذه الضلالة ؛ أي : في عبادة غير الله . أيضًا هذا التوحيد الثاني توحيد الألوهية أو توحيد العبادة .
التوحيد الثالث والأخير توحيد الأسماء والصفات ، اعتقدْتَ أن الله واحد في ذاته لا شريكَ له في خلقه ، اعتقدْتَ أن الله واحد في عبادته لا تعبد معه سواه ، بَقِيَ عليك أن تعتقد أنه واحد في صفاته ، كما أنه واحد في ذاته وواحد في صفاته ، لا تعتقد - مثلًا - أن هناك في البشر مهما سَمَا أحدهم وعَلَا يرفع رأسه هيك بيشوف أنُّو في ... اللوح المحفوظ ، ويعرف اليوم فلان بدو يموت شقي ، وفلان بدو يموت سعيد ، وهو يعلم الغيب من دون الله - عز وجل - !! والله يقول : (( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) . فإذا اعتقدت أنُّو الشَّيخ الفلاني يعلم الغيب وهذا نحن نسمعه بآذاننا من الصوفيين أنُّو الشَّيخ يكاشفنا ، الشَّيخ يكاشفنا ، نكون نحن محضّرين السؤال ولسا ما طرحناه وإذا الشَّيخ يعطينا الجواب بدون ما نطرح السؤال !! صار في عقيدة الناس إشراك في القسم الثالث من التوحيد في أسماء الله وصفاته ، لا يعلم الغيب إلا الله ، صار في أولياء بيعرفوا الغيب ؛ ولذلك تجد أحدهم لا بيتاجر ولا بيسافر ولا بيتزوَّج ولا يأتي بحركة تستحقُّ الذِّكر إلا بعد استشارة الشَّيخ ، والشَّيخ يكاشف له بقى ، بيطلع له على الغيب !! هذا كله كفر بلا إله إلا الله ؛ لماذا ؟ لأننا لم نفقَهْ بعد هذا التوحيد .
وقد أطلنا عليكم ، فمعذرة . والسلام عليكم .
الشيخ : من أيِّ نوع ؟ تقصد ... ؟
السائل : كفر عمل .
الشيخ : لا ، اعتقادي ، هذا كفر اعتقادي ، لكنه كفر بغفلة ؛ لأنَّ الحديث يقول : ( كان فيمَن قبلَكم رجل لم يعمَلْ خيرًا قط ، فحَضَرَتْه الوفاة ، فجمع أولاده حولَه فقال لهم : أيُّ أبٍ كنْتُ لكم ؟ قالوا : خيرَ أبٍ ) .
سائل آخر : السلام عليكم .
الشيخ : وعليكم السلام .
قال : ( فإنِّي مذنبٌ مع ربي ، ولَئِن قَدِرَ الله عليَّ ليعذِّبَنِّي عذابًا شديدًا ، فإذا أنا متُّ فخذوني وحرِّقوني بالنار ، ثم خذوا نصفي - يعني من الرماد - فذَرُّوه في الريح ، والنصف الآخر في البحر ) . مات الرجل ، حرَّقوه ، أخذوا الرماد ، قسم بهالريح العاصف ، وقسم بهالبحر المائج ، فقال الله - عز وجل - لذرَّاته : كوني فلانًا .
السائل : سبحان الله !
الشيخ : فكانت بشرًا سويًّا ، قال - تعالى - : ( ما حَمَلَكَ على ما فعلت ؟ قال : خشيتُك ) أنا خفت منك . ( قال : فقد غفرْتُ لك ) . هذا من هول ما تصوَّر من العذاب مقرونًا باعترافه أن الله إن عذَّبه فبعجزه سلَّط عليه الخوف والخشية ، وطلع منه الكفر ، فغفر الله له .
وهذا الحديث في الواقع - أيضًا - ممَّا يُردُّ به على " جماعة التكفير " ، زايد ما يسمِّيه العلماء بأهل فترة ، فليس كلُّ مَن كفر وقع الكفر عليه ، وإنما يجب أن يُدرس وضعه ، فإن كان عرف أنه كفر وأُقِيمَتِ الحجَّة عليه ، ثم أصرَّ على كفره وعلى ضلاله فهو الكافر المُخلَّد في النار ، وهو الذي هو وأمثاله يُقصد بالآية السابقة : (( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ )) . هذا العاصي الذي يعصي معصية فيها الكفر بالله ما ينبغي نحن أن نبادر إلى تكفيره ، وإنما علينا أن ننبِّهَه .
نحن نقرأ في حديث ابن عباس - مثلًا - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب في الصحابة يومًا ، فقام أحدهم وقال : " ما شاء الله وشئْتَ يا رسول الله " . قال : ( أَجَعَلْتَني لله ندًّا ؟! قل ما شاء الله وحده ) . نحن نقدر نقول كفر ، لكن ما كفر ؛ ليه ؟ نقدر نقول كفر لأن الرسول قال له : ( أَجَعلْتَني لله ندًّا ؟! ) لكن ما نقدر نقول كفر لأنه ما عامله معاملة الكفار ، لو عامله معاملة الكفار بيحضّره بين يديه يستتيبه ، فإن تاب وإلا قُتِل ، وبيجدِّد العقد على زوجته لو كان إيش ؟ كَفَرَ كُفْرَ ردَّة ، لكن لا ؛ هذا ما كفر ، لَكان ماذا فعل ؟ نطق كلمة الكفر ، لكن مجرَّد أن ينطق المسلم بكلمة الكفر وهو لا يعني بقلبه الكفر فهو ليس بكافر ، من أجل ذلك أهل العلم والتحقيق من جماعة التوحيد يقسموا الكفر قسمين وقسمين ؛ أربعة أقسام ، قسمين وقسمين ، التقسيم الأول : كفر عملي وكفر اعتقادي . والتقسيم الثاني : كفر لفظي وكفر قلبي .
الكفر القلبي بيقابل الكفر الاعتقادي ، الكفر العملي بيقابل الكفر اللفظي ، فإذا الإنسان إذا تلفَّظ بكلمة الكفر فلا يعني ذلك أن نحشُرَه في زمرة الكفار فورًا دون أن نعرف شو قصده من هذه الكلمة ، خذوا المثال الشَّائع اليوم خاصَّة في هذه البلاد التي - مع الأسف الشديد - ما سبق أن وُجِدَ فيها دعاة توحيد ، دعاة التوحيد وقفت في حدود السعودية قديمًا ، فهنا وفي سوريا في مصر الحلف بغير الله مثل شرب الماء ، طيب ؛ واحد بأدنى مناسبة بيحلف برأس أبوه ، عنَّا بيحلف بشرفه ، بيحلف بشواربه ، ويمكن ما له شوارب !! المهم والرسول يقول : ( مَن حلف بغير الله ؛ فقد كفر ) . شو بقى نحكم على هدول بأنهم كفار ؟ الجواب : لا ، لا بد من التفصيل ، التفصيل يدور حول التَّقسيم الثانوي هذا اللي ذكرناه ؛ شو بتقصد أنت - يا أخي - تقول : وحياة رأس أبي ، وحياة البدوي ، وحياة النبي ، إلى آخره ؟ والله أنا ما أقصد شيء ، بس هَيْ العادة لغوة ماشية على اللسان ، ها ؛ لغوة - يا أخي - ابعِدْ عنها ؛ لأن الرسول يقول كذا وكذا ، لكن في ناس بيدل على أنُّو حلفهم هذا هو الكفر الاعتقادي بعينه ، هذا موجود ، هون ما عرفت لسا البلاد هذه جيِّدًا ولا عرفت عاداتها وتقاليدها وأفكارها وعقائدها ، عندنا في سوريا لك حق عند إنسان ينكروا عليك ، ويحلف أيمان بالله كاذبة ، ويحط يده على المصحف أنُّو ما لك عندي شيء ، مُرْه يحلف يمين عند قبر سيدي فلان بيسلِّم لك بالحقِّ الذي لك عنده .
السائل : الله أكبر !
الشيخ : ما بيحلف بسيده فلان ؛ لأنُّو بيخاف منه أكثر مما يخاف من ربِّه ، لأنُّو إذا حلف بسيده فلان كاذبًا يخاف يجيه في الليل ويبطحه ؛ هيك يعني عندنا تعابير شامية ، أما ربُّ العالمين مش خايف منه ؛ هذا هو الكفر الاعتقادي ، بينما جماهير الناس بيحلفو حلف لفظي ، فنحن ما نكفِّرهم ، لكن ننصحهم ؛ كما كان الرسول - عليه السلام - يفعل مع الصحابة ، وكما كان الصحابة يتجاوبون معه - عليه السلام - ما بيتموا مثل جماعتنا بيقول لك : يا أخي ، اتركه هذا نيته طيبة ! شو اتركه نيته طيبة ؟!! ذات يوم سمعَ - عليه الصلاة والسلام - عمرَ بن الخطاب يحلف حسب عادته في الجاهلية بأبيه ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : ( لا تحلفوا بآبائكم ؛ مَن كان منكم حالفًا فَلْيحلِفْ بالله أو ليصمِتْ ) ماذا كان موقف عمر ؟ موقف جماعتنا لا . قال : " فوالله ما حلفت بعدها بغير الله آثرًا أو ذاكرًا " . ذاكرًا يعني من نفسه ، آثرًا عن غيره ؛ خلاص حلف بغير الله لا تحلف بغير الله ، ( من حلف بغير الله فقد كفر ) في الحديث الآخر ، وفي لفظ : ( فقد أشرك ) .
لماذا يكون الحلف بغير الله شركًا ؟
لأن عادة الناس التي فُطِروا عليها أنهم لا يحلفون إلا بما هو مقدَّس عندهم ؛ لذلك تجده يحلف بالنبيِّ ؛ لأن النبي عنده معظَّم ، تجد يحلف بابنه ؛ لأن ابنه عزيز عليه ، يحلف يحلف بكلِّ عزيز لديه ، المسلم ما في عنده شيء أعز من ربه - تبارك وتعالى - ؛ ولذلك الذي يُؤثر الحلف بالله على الحلف بغير الله فقد جعله شريكًا مع الله ، هذا النوع من الشرك مع الأسف أكثر المسلمين لا يعرفونه ، ماذا يعرف المسلمون من الشرك ؟ ما عرفه الجاهليون ، الجاهليون عرفوا أن الشرك أن يعتقد أحدهم أنُّو في خالق مع الله ، هذا هو الشرك ، وهنّ بلسان حالهم مو واقعين بهالشرك ؛ لأنُّو صريح القرآن يقول : (( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ )) ؛ إذًا قوله - تعالى - : (( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) وين الأنداد وهم يعلمون أنهم اتَّخذوا مع الله أندادًا ؟ هون السِّرُّ ، وهون الجهل في الجاهلية الأولى وفي جاهلية القرن العشرين اليوم ، وليس في الكفار بل بالمسلمين ؛ لأن الشرك كالتوحيد ، التوحيد ثلاث أقسام ، يُقابله الشرك ثلاث أقسام .
توحيد الربوبية وهو أن تجعلَ مع الله إلهًا آخر كما جاء في الحديث ابن مسعود في " الصحيحين " : ( أن تجعل لله ندًّا وقد خلقك ) ؛ يعني شريكًا في الخلق ، هذا أكبر الكبائر . توحيد الربويية يقابله الشرك في الربوبية ، مثاله : المجوس الذين يعتقدون بأن هناك خالق للخير وخالق للشَّرِّ ؛ لذلك قال - عليه السلام - : ( القدريَّة مجوس هذه الأمة ) ؛ لأنهم يعتقدون أن الإنسان يخلق الشَّرَّ وربُّنا يخلق الخير ، فهذا شرك في الربوبية ، فتوحيد الربوبية أوَّل شيء يجب أن يكون المسلم مؤمن به ، وهذا سهل مفطور عليه الإنسان حتى الكفار في الجاهلية كما سمعتم كانوا يوحِّدون الله توحيد الربوبية ، وقد جاء في " صحيح مسلم " أنهم كانوا في الجاهلية من ضلالهم يطوفون حول الكعبة عراةً نساءً ورجالًا ، حتى كانت المرأة هاللي كان عندها شوية بقية من حياء حياءَ خجل ، لكن الجهل والعادات والتقاليد تعمي القلوب ، شوفوا اليوم أنتو المسلمون رجالًا ونساءً صباح العيد وين رايحين ؟ بدل ما يروحوا عالمصلي بيروحوا عند القبور ، أنت ذاهبًا وإيابًا بتلاقي ... الناس عاكفين على القبور ، وهدول كانوا يطوفون حول الكعبة عراةً نساءً ورجالًا ، فتقول المرأة الواحدة منهم وهي تُشير إلى فرجها :
" اليومَ يبدو بعضُه أو كلُّه *** فما بدا منه فلا أحِلُّه "
وكانوا في أثناء هذا الطَّواف يقولون : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك ، إلا شريكًا تملكه وما ملك . شو هالشريك هذا ؟ تملكه وما ملك !! معتقدين بتوحيد الربوبية أنُّو ليس مع الله خالق ثاني ، لكن من أين جاءهم الشرك ؟ النوعين الثانيات ، فالأول قلنا توحيد الربوبية ، النوع الثاني توحيد الألوهية ويُسمَّى بتوحيد العبادة ؛ يعني أنت أيها العبد ما دام آمنت بأن الله هو الذي خَلَقَك وصوَّرَك ؛ فهذا هو الذي يستحقُّ أن تتوجَّه إليه بكل عبادتك ، هنا كان الكفار كفار قريش ومَن دانَ دينَهم يكفرون بهذا التوحيد ، كانوا يعبدون مع الله آلهةً أخرى ، وهذا - أيضًا - كما حكاه في القرآن حكى عنهم إيمانهم بالربوبية ، وحكى عنهم كفرهم بالألوهية ، (( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ، والذين اتَّخذوا من دون الله أولياء يعبدونهم من دون الله إذا قيل لهم : لماذا تعبدونهم من دون الله ؟ قالوا : (( مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) . إذًا هذا اعتراف منهم بأنَّهم يعبدون أولياءهم ، ولا يعبدونهم لذواتهم وإنما كوسيلة تقرِّبهم إلى الله زُلفى ، فكفروا بتوحيد الألوهية أو توحيد العبادة ؛ ولذلك - أيضًا - حكى ربُّنا - عز وجل - عنهم أنه قال : (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، (( أَجَعَلَ الْآلِهَةَ )) يعني المعبودات جعلها معبودًا واحدًا ؛ (( إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ )) ، (( مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ )) . وقال ربُّنا في الآية أخرى : (( إِذَا قِيلَ [ لَهُمْ ] لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ )) .
تتضاعف المصيبة حينما نعلم أن الكفار كانوا يفهمون معنى لا إله إلا الله ، لكن لا يخضعون له ، أما كثير من جَهَلَة المسلمين اليوم لا يفهمون معنى لا إله إلا الله ؛ ولذلك فليس هناك استكبار ، وإنما هو الجهل ، فلا إله إلا الله معناها لا معبود بحقٍّ في الوجود إلا الله ؛ فهل المسلمون قاموا بحقِّ هذه الكلمة كلمة التوحيد ؟ هل هم بعد أن آمنوا بتوحيد الربوبية آمنوا بتوحيد الألوهية ؟ مع الأسف نَقَضُوها ، هذا النوع من التوحيد نقضوه ؛ لماذا ؟ لأنهم يأتون إلى قبور الأولياء والأنبياء والصالحين يصلُّون عندهم ، ويستغيثون بهم ، ويتوسَّلون بهم إلى الله وإذا سألتهم ؟ قالوا : ما نعبدهم ، لكن ما يقولوا : ما نعبدهم من جهلهم ؛ لأنهم يفهمون العبادة بمعنى ضيِّق ؛ أنك تقعد تصلي بهذا القبر ، لأ وما بيصلي ، لكن يقول : يا فلان ، أغِثْني ما يعرف أنُّو هذا صلاة وعبادة له ، ما بيعرف لما يقرأ في سورة الفاتحة : (( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ )) أنُّو الاستعانة بالميت هو عبادة له ، ما بيعرف أنُّو هذه عبادة ؛ ولذلك إذا سألته : أنت تعبد غير الله ؟ يقول لك : أعوذ بالله !! لكن هو منغمس بهذه الضلالة ؛ أي : في عبادة غير الله . أيضًا هذا التوحيد الثاني توحيد الألوهية أو توحيد العبادة .
التوحيد الثالث والأخير توحيد الأسماء والصفات ، اعتقدْتَ أن الله واحد في ذاته لا شريكَ له في خلقه ، اعتقدْتَ أن الله واحد في عبادته لا تعبد معه سواه ، بَقِيَ عليك أن تعتقد أنه واحد في صفاته ، كما أنه واحد في ذاته وواحد في صفاته ، لا تعتقد - مثلًا - أن هناك في البشر مهما سَمَا أحدهم وعَلَا يرفع رأسه هيك بيشوف أنُّو في ... اللوح المحفوظ ، ويعرف اليوم فلان بدو يموت شقي ، وفلان بدو يموت سعيد ، وهو يعلم الغيب من دون الله - عز وجل - !! والله يقول : (( قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ )) . فإذا اعتقدت أنُّو الشَّيخ الفلاني يعلم الغيب وهذا نحن نسمعه بآذاننا من الصوفيين أنُّو الشَّيخ يكاشفنا ، الشَّيخ يكاشفنا ، نكون نحن محضّرين السؤال ولسا ما طرحناه وإذا الشَّيخ يعطينا الجواب بدون ما نطرح السؤال !! صار في عقيدة الناس إشراك في القسم الثالث من التوحيد في أسماء الله وصفاته ، لا يعلم الغيب إلا الله ، صار في أولياء بيعرفوا الغيب ؛ ولذلك تجد أحدهم لا بيتاجر ولا بيسافر ولا بيتزوَّج ولا يأتي بحركة تستحقُّ الذِّكر إلا بعد استشارة الشَّيخ ، والشَّيخ يكاشف له بقى ، بيطلع له على الغيب !! هذا كله كفر بلا إله إلا الله ؛ لماذا ؟ لأننا لم نفقَهْ بعد هذا التوحيد .
وقد أطلنا عليكم ، فمعذرة . والسلام عليكم .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 102
- توقيت الفهرسة : 00:40:02
- نسخة مدققة إملائيًّا