نصيحة الشيخ بالتزام أدب البدأ بالأيمن فالأيمن عند السقي وذكر الأدلة عليها مع بيان فضل إحياء السنن النبوية . - صوتيات وتفريغات الإمام الألباني
نصيحة الشيخ بالتزام أدب البدأ بالأيمن فالأيمن عند السقي وذكر الأدلة عليها مع بيان فضل إحياء السنن النبوية .
A-
A=
A+
السائل : العبارة الأولى في مسألة اليمين .

الشيخ : ويبدو , يبدو أن مسألة اليمين والاهتمام بها غائب عن أذهان كثير من المسلمين وبخاصة في مثل هذا الاجتماع الذي يتصدر المجلس من قد يفتتن بتصدره وإن كان مدفوعًا دفعًا إليه.

فقد يساعد على افتتانه أن يخالف المهتمون ولا أقول المحتفون به بالبدء بإسقاءه دون أن يبدأ الساقي بمن عن يمينه.

هذه فتنة وذلك من ناحيتين اثنتين تظهران مما سبق من الكلام

الناحية الأولى أنه تصدر المجلس، وصدور المجالس كما جاء في الحديث، ( اتقوا هذه المذابح ) ، فتصدر المجالس هو ذبح من أنواع الذبح الذي منه المدح هو الذبح المدح هو الذبح كررها عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، المدح هو الذبح بالكلام، لكن المدح قد يكون بالأفعال، ومن ذلك الجلوس في صدر المكان، فهذه فتنة، فهذه في الحقيقة فتنة قد ينجو منها من يعصمه الله عزّ وجل من أن يفتتن بها.

هذا أولا، وثانيا: أن يخالَف بسببه سنة نبيه، فيُبدأ بإسقاءه دون من عن يمين الساقي.

ويبدو أن هذه المسألة ولو أنها قد تأخذ من وقتكم وربما من بعض أسئلتكم لكن إن كان شعوري الذي صارحت به أن كثيرا من الناس يبدو لي أنهم بعد لا يعرفون السنة في البدء بالإسقاء.

من هو الأحق ويساعدني على هذا الظن أنني حيثما حللت من المجالس أرى الإخلال بهذه السنة، والسبب في ذلك أن الغالب على رأي كثير من العلماء والفضلاء في العصر الحاضر هو أن الساقي يبدأ بكبير القوم ثم بمن عن يمينه , هذا هو السائد وهذا بلا شك يساعد على انتشار مخالفة القاعدة النبوية الكريمة التي نص عليها عليه الصلاة والسلام في أحاديث عامة وفي حديث خاص وهو الذي نحن الآن في صدده , فالبدء بكبير القوم في أولئك الكبار الذين يذهبون إلى هذا البدء شبهة ظاهرها قوية ولكن الباحث الفقيه المسلم إذا تأمّل في الحديث الذي هم يحتجون به فسرعان ما سيتبين له وضوحًا لا غبار فيه أن الأمر ليس كما يقولون ,

إن هذه الشبهة هي ما جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم أتى دار قوم وفي رواية أنها دار أنس، فأُتي بقعب فيه لبن قد شيب بماء فشرب عليه الصلاة والسلام وبقيت فيه بقيّة وكان عن يمينه أعرابي وفي رواية ابن عباس وهو بعد لم يبلغ سن التكليف، وعن يساره أبو بكر الصديق، وفي رواية مشايخ أو شيوخ قريش، فقال عليه الصلاة والسلام لمن عن يمينه: أأسقي فلانًا قال والله يا رسول الله لا أؤثر أحدا على فضلة شرابك، فقدّم الرسول عليه السلام لهذا الذي كان عن يمينه، وعمر في المجلس يراقب الوضع وتعلمون دقته رضي الله عنه، وكأنه يستغرب منه عليه الصلاة والسلام أن يؤثر الأعرابي أو ابن عباس على أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وهو أبو بكر الصديق , وكأن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحس الناس وأدق الناس نظرًا فلا غرابة أن يجيبه وأن يقول له بطريقة غير مباشرة: الأيمن الأيمن، وفي رواية: الأيمنون فالأيمنون ) على الرغم أن في هذا الحديث هذه العبارة التي يمكننا أن نعتبرها قاعدة لا يجوز للمسلم أن يحيد عنها قيد شعرة ( الأيمن فالأيمن، أو الأيمنون فالأيمنون ) .

على الرغم من هذا النص الصريح فشبهة أولئك الناس هو أن الساقي بدأ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فمن هنا قالوا ما قالوا أن الساقي يبدأ بكبير القوم ثم بمن عن يمينه لأنهم في هذه الصورة يجمعون بين الواقع الفعلي وبين اللفظ القولي , الواقع أن الساقي بدأ به عليه السلام.

أما قوله فقال: ( الأيمن فالأيمن ) .

كان يمكن أن يقال بهذا القول لو أن الرواية كانت فقط هكذا، لأن الفقيه المسلم لا بد له من أن يجمع بين أطراف الحديث وألفاظه ورواياته , فهم فعلوا ذلك.

سائل آخر : السلام عليكم.

الشيخ : وعليكم السلام ، فهم فعلوا ذلك في حدود هذه الرواية ولكن فاتتهم رواية أخرى مهمة جدًا وهي أيضا في صحيح البخاري، قلنا إن الحديث جاء في الصحيحين من حديث أنس، وأقول الآن إنه قد جاء فيهما أيضا من حديث سهل بن سعد الساعدي، فالزيادة التي فاتت أولئك الأفاضل الذين قالوا بأن الساقي يبدأ بكبير القوم ثم بمن عن يمينه، هي كما يقولون اليوم تضع النقاط على الحروف وتجلي الشيء الذي كان غائبًا عن أذهانهم فقالوا ما قالوا، ما هي؟ قال أنس وقال سهل: ( استسقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم فأُتي ) ،

الرواية الأولى بدأت بأتي رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقفوا عندها وحق لهم أن يقفوا عندها، لكن الرواية الثانية كأنها تجيب عن سؤال قد يلقى في بعض النفوس أو القلوب لماذا بدأ الساقي بالنسبة للرواية الأولى لماذا بدأ الساقي بالرسول عليه السلام؟ يأتي الجواب بالرواية الثانية (استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأتي) , إذا الجواب لماذا بدأ؟ لأن الرسول عليه السلام استسقى أي طلب السقيا، طلب أن يشرب، هذه مفتاح حل المشكلة ودفع الشبهة (استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتي).

وحينئذ فقوله عليه السلام في الرواية الأولى والأخرى: ( الأيمن فالأيمن ) أو الرواية الأخرى: ( الأيمنون فالأيمنون ) فالأيمنون تصبح قاعدة مطلقة تشمل كل شخص كان كبيرًا أو صغيرًا عالمًا أو غير عالم , فإذا كان عن يمين الساقي من كان ولو أعرابيًا فينبغي على الساقي أن يبدأ به، وهكذا على التسلسل , ولا يقال والحالة هذه بعد هذا البيان. لا يقال الحديث يقول أن الساقي بدأ برسول الله صلى الله عليه وسلّم، لأن الجواب عرفتموه أن بدأه به إنما كان لأنه طلب السقيا، وهذا أمر واضح جدًا.

يأكد ذلك أمران اثنان:

أحدهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلّم حينما أتي له بالقعب الذي فيه الماء خليطًا بالحليب فشربه، وبقيت فيه بقيه، ينظر عن يمينه فيجد ابن عباس أو الأعرابي وينظر عن يساره فيجد أبا بكر الصديق.

فمن الساقي الآن؟ آالذي أعطى الرسول الكأس القعب أم الساقي هو الرسول عليه السلام نفسه؟ لا شك أن الإسقاء انتقل من الساقي الأول إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن الكأس الآن في يده الكريمة فهو يستأذن ممن كان يمينه لأن عن يساره كبير القوم , لماذا يستأذن؟ لأنه يريد أن يضع هذه القاعدة الأيمن فالأيمن.

فلما أبى المستأذن من الإذن أعطاه وأسكن بال عمر بن الخطاب ومن كان مثله بأن قال له الأيمن فالأيمن , إذا الرسول طبّق القاعدة هو بنفسه حينما صار ساقيًا، ما بدأ بكبير القوم كما هم القوم اليوم يفعلون، وإنما بدأ بالصغير، ولكن لفت نظر الصغير إلى أدب ممكن أن نسميه بأنه أدب إسلامي وهو الإيثار لعله يؤثر أبا بكر الصديق على نفسه، على قاعدة قوله تعالى: (( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة )) ، ولكن هنا تتدخل العواطف الإسلامية القوية وتتمثل هذه العاطفة في قول ابن عباس: والله يا رسول الله لا أؤثر أحدًا أي ولو كان أبا بكر على فضلة شرابك فأعطاه، وقال: الأيمن فالأيمن, هذا هو الأمر الأول الذي يؤكد ، هذا هو الأمر الآخر الذي يؤكد الأمر الأول حيث قلنا إنما بدأ الساقي به عليه السلام لأنه استسقى وليس لأنه كبير القوم، لأنه لو كانت العلة بالبدء بكبير القوم من الساقي بكبير القوم لطبق الرسول عليه السلام حينما صار هو ساقيًا ولسقى أبا بكر , فإذ لم يفعل إذًا هذه العلة ليست علة شرعية أي البدء بكبير القوم ليست علة شرعية، والعلة الشرعية هي الأيمن فالأيمن.

الشيء الثاني الذي أردت أن أقوله بعد هذا الشيء الآخر وهو أن الرسول عليه السلام طبق القاعدة بين ابن عباس وبين أبي بكر, الشيء الثاني منهما أن الساقي لما بدأ بالإسقاء بالرسول عليه السلام بالإضافة إلى ما ذكرناه أولا أن ذلك كان بسبب أنه استسقى , فهناك شيء آخر ينبغي أن نلاحظه وهو أن هذا الساقي لم يأت بوعاء ممتلئ شرابًا فيريد أن يسقي منه جميع الحاضرين , وأنتم تعلمون جميعا إن شاء الله بأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم كانوا غير موسع عليهم في الطعام وفي الشراب خاصة شراب الحليب، فلم يكن في ذلك البيت في ذلك الدار دار أنس بن مالك من الحليب ما يتسع لتوزيعه على جميع الناس الحاضرين.

فلم يكن هناك إسقاء بمعنى شمول جميع الحاضرين كما يقع اليوم بالنسبة لإسقاء القهوة أو الشاي أو أي شراب آخر.

فإذا هذا يؤكد أن البدء به عليه السلام لم يكن إلا بطلب منه وإلا كان يأتي بما يتسع لإسقاء الجميع، وذلك غير متسع لديهم يومئذ.

إذا عرفنا هذه الحقيقة فأرجو أن لا تنسوا هذه السنة التي ماتت مع الزمن وتورط بمخالفتها بعض من لم يحط بألفاظ الحديث ولم يطلع على ذلك اللفظ استسقى رسول صلى الله عليه وسلّم ثم لم يتنبه بما يؤيد هذا المعنى الذي يؤخذ من الاستسقاء، من استسقاء الرسول عليه السلام.

وبذلك نحيي سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم التي من أحياها فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما جاء في الحديث الصحيح المعروف إن شاء الله لدى الجميع .

مواضيع متعلقة