كلمة تتضمن حقيقة كلمة التوحيد
A-
A=
A+
الشيخ : ومعلوم من طريقة دعوتهم أنهم قد أعرضوا بالكلية عن الاهتمام بالأصل الأول أو بالأمر الأهم من الأمور الثلاثة التي ذكرتها آنفا العقيدة والعبادة والسلوك فتركوا وأعرضوا عن إصلاح ما بدأ به الرسول عليه السلام بل ما بدأ به كل الأنبياء تبعا للرسل مثل قوله تبارك وتعالى: (( أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت )) فهم لا يُعنون بهذا الأصل الأصيل وهو الركن الأول من أركان الإسلام كما هو معلوم لديكم جميعا وهذا الأصل الذي قام يدعو إليه رسول من الرسل الكرام ألا وهو نوح عليه الصلاة والسلام قرابة ألف سنة وهو يدعو إلى التوحيد وأنتم تعلمون أن الشرائع السابقة لم يكن فيها من تفصيل لأحكام المعاملات والعبادات ما هو معروف في ديننا هذا لأنه خاتمة الشرائع والأديان ومع ذلك فقد لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما فيما إذن كان اهتمامه أن يفهموا عنه التوحيد ومع ذلك فكما تعلمون من القرآن الكريم أعرضوا عن دعوته (( وقالوا لا تذرن آلهتكم ... )) إلى آخر الآية فهذا يدل دلالة قاطعة على أن أهم شيء ينبغي للدعاة حقا إلى الإسلام هو أن يهتموا بالدعوة إلى التوحيد ذلك لأنه معنى قوله تبارك وتعالى: (( فاعلم أنه لا إله إلا الله ... )) هكذا كانت سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلا وتعليما ، أما فعله فما يحتاج إلى بحث لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في العهد المكي إنما كان جهده ودعوته محصورة في الغالب أن يدعوهم إلى عبادة الله وحده لاشريك له أما تعليما فتعلمون حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه الوارد في صحيح البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أرسل معاذا إلى اليمن قال له: ( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ... إلى آخر الحديث ... فإن استجابوا لك أو فإن أطاعوك فأمرهم بالصلاة ) تمام الحديث فهو معروف إن شاء الله فإذن قد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه أن يبدؤوا بما بدأ هو به وهو أن يدعوهم إلى شهادة التوحيد لا شك أن هناك فرقا كبيرا جدا بين أولئك العرب المشركين من حيث أنهم كانوا يفهمون ما يقال لهم بلغتهم وبين العرب المسلمين اليوم والذين ليسوا بحاجة إلى أن يُدعوا إلى أن يقولوا لا إله إلا الله فإنهم قائلون بها مهما اختلفت مذاهبهم وطرائقهم وعقائدهم فكلهم يقول لا إله إلا الله ولذلك الدعاة اليوم ليسوا بحاجة إلى أن يدعوا المسلمين إلى أن ينطقوا بهذه الكلمة لكن هم في الواقع بحاجة أكثر من العرب في الجاهلية إلى أن يُفهموا معنى هذه الكلمة الطيبة هذا الفرق فرق جوهري جدا بين العرب الأولين الذين إذا دعاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقولوا لا إله إلا الله يستكبرون كما هو صريح القرآن الكريم لماذا يستكبرون؟ لأنهم يفهمون أن معنى هذه الكلمة أن لا يتخذوا مع الله أندادا وأن لا يعبدوا مع الله غيره وهم كانوا يعبدون غيره فهم ينادون غير الله ويستغيثون بغير الله فضلا عن التوسل بغير الله فضلا عن النذر لغير الله أو الذبح لغير الله من هذه الوسائل الشركية الوثنية المعروفة كانوا هم يفعلونها ولكنهم كانوا يعلمون أن من لوازم هذه الكلمة الطيبة من حيث اللغة العربية أن يتبرؤوا من كل هذه الأمور لمنافاتها لكلمة لا إله إلا الله أما المسلمون اليوم الذين يشهدون أن لا إله إلا الله لكنهم لا يفقهون معناها بل لعلهم يفقهون معناها فهما معكوسا مقلوبا تماما فكما تعلمون جميعا إن بعضهم ألّف رسالة في معنى لا إله إلا الله ففسرها بالمعنى الذي كان عليه المشركون الذي كانوا يؤمنون به (( ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله )) فالمشركون كانوا يؤمنون بأن لهذا الكون خالقا لا شريك له في ذلك ولكنهم مع ذلك كانوا يجعلون لله أندادا وشركاء في عبادته فهم يؤمنون بأن الرب واحد لكن يعتقدون بأن المعبودات كثيرة ولذلك قال تعالى في الآية المعروفة (( والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) فهم كانوا يعلمون أن قول لا إله إلا الله ينبغي أن يتبرأ قائلها من كل عبادة سوى عبادة الله عز وجل ، أما المسلمون اليوم فقد فسروا الكلمة الطيبة بـ لا رب إلا الله فإذا قال: المسلم لا إله إلا الله وهو يعني هذا المعنى لا رب إلا الله فهو والمشركون سواء عقيدةً أما لفظا فهو مسلم لأنه يقول: لا إله إلا الله بخلاف المشرك لأنه يأبى أن يقول لا إله إلا الله فهو ليس مسلما لا ظاهرا ولا باطنا أما جماهير المسلمين اليوم فهم مسلمون لأن الرسول عليه السلام يقول: ( فإذا قالوها فقد عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) ولذلك أنا أقول كلمة ربما تكون نادرة الصدور مني وهي أن واقع المسلمين اليوم شر مما كان عليه العرب من حيث سوء الفهم لهذه الكلمة الطيبة لأن العرب كانوا يفهمون لكنهم لا يؤمنون , وأما المسلمون اليوم فيقولون ما لا يعتقدون يقولون: لا إله إلا الله وهم يكفرون بمعناها لذلك فأنا أعتقد أن أول على الدعاة المسلمين حقا هو أن يدندنوا حول هذه الكلمة و حول بيان معناها بتلخيص ثم تفصيل لوازم هذه الكلمة الطيبة من الإخلاص لله عز وجل في العبادات بكل أنواعها لأن الله عز وجل لما حكى عن المشركين (( قالوا ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى )) فكل عبادة توجه إلى غير الله فهو كفر بالكلمة الطيبة لا إله إلا الله لهذا أنا أقول اليوم لا فائدة مطلقا من تكتيل المسلمين ومن تجميعهم على تركهم في ضلالهم في بعدهم عن فهم هذه الكلمة الطيبة فذلك لا يفيدهم في الدنيا قبل الآخرة نحن نعلم جميعا أن قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ( من مات وهو يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا من قلبه حرّم الله بدنه على النار ) وفي أحاديث أخرى (دخل الجنة ) فلا يمكن ضمان دخول الجنة ولو بعد لأيٍ ولو بعد عذاب يمس القائل والمعتقد الاعتقاد الصحيح لهذه الكلمة فإن هذا قد يعاقب بناءّ على ما ارتكب واجترح من المعاصي والآثام ولكن سيكون مصيره دخول الجنة وعلى العكس من ذلك من قال هذه الكلمة الطيبة بلسانه ولما يدخل الإيمان إلى قلبه فذلك لا يفيد شيئا في الآخرة قد يفيده في الدنيا النجاة من القتال ومن القتل أما في الآخرة فلا يفيده شيئا إلا إذا قالها فاهما لمعناها أولا ومعتقدا لهذا المعنى لأن الفهم والمعرفة وحدها تكفي إلا إذا اقترن مع الفهم الإيمان بهذا المفهوم وهذه نقطة أظن أن كثيرا من الناس عنها غافلون وهي لا يلزم من الفهم الإيمان لا بد أن يقترنا كل من الأمرين مع الآخر حتى يكون مؤمنا ذلك لأنكم تعلمون إن شاء الله أن كثيرا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى كانوا يعرفون أن محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسول صادق فيما يدعيه من الرسالة والنبوة ولكن مع ذلك أي مع المعرفة التي شهد لهم بها ربنا تبارك وتعالى حين قال: (( يعرفونه كما يعرفونه أبناءهم )) ومع ذلك فهذه المعرفة ما أغنتهم شيئا لماذا؟ لأنهم لم يصدقوه فيما عرفوا منه من ادّعائه النبوة والرسالة ولذلك .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 750
- توقيت الفهرسة : 00:10:13
- نسخة مدققة إملائيًّا