تكلم الشيخ عن أمور في القدر .
A-
A=
A+
الشيخ : نفهم شيئاً يتعلق بهذا الأثر أو هذا الخبر المنسوب إلى موسى عليه السلام (( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )) آية كريمة يحتج بها الجبريون بل يحتج بها المنتسبون إلى الأشاعرة والذين يخالفون الماتريدية في مسألة كون الإنسان مختاراً أو مجبوراً وهذه مسألة طال فيها الجدل بين علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم فضلاً عن فلاسفة قدامى هل الإنسان مختار أم مجبور؟ لهذا أنا قلت يا ترى ما دار في نفسك لما قرأت هذا الأثر أو هذا الخبر أنك تسأل: موسى هل يشعر بشعورنا حتى اندفع ليسأل هذا السؤال ربه تبارك وتعالى إن صح الخبر عنه لذلك قلت لنضرب صفحاً عن هذا الخبر صح أو لا لكن إيش موقف المسلم تجاه المحاورة التي جرت من موسى إلى ربه وجواب رب موسى لموسى أنه أنا لا أُسأل ، الذين يذهبون إلى أن الإنسان مجبور هم بلا شك يعني أبعد ما يكونون عن الشرع والعقل معاً ذلك لأن المسؤولية لا يمكن أن تلتقي مع الجبر لا بد أن يكون في هناك خيار حتى يصح أن يقال من الحاكم العادل للمجرم: لم فعلت هذا؟ فإذا كان مجبوراً يقول أنا مجبور ولست بالمسؤول وهذه بداهة مستقرة في فطر الناس جميعاً ولذلك ليس فقط الشريعة الإسلامية وما قبلها من الشرائع السماوية فرقت بين المختار وبين المجبور على المعصية بل حتى القوانين الوضعية العقلية التي لا تستند إلى الشرائع السماوية أيضاً هذه القوانين الوضعية تفرق بين مجبور وبين مختار. وهذه الحقيقة لسنا بحاجة إلى ضرب الأمثلة سواء من الناحية الشرعية أو من الناحية القانونية لكن حسبنا قولنا في مسألة قتل العمد وقتل الخطأ لماذا هذا التفصيل والتفريق في النتيجة بين من يقتل خطأً وبين من يقتل عمداً فالمتعمد مختار والقاتل خطأ غير مختار كذلك كما قلنا في القوانين. النظم العسكرية مثلاً تفرق بين جندي زلت به القدم فقتل إنسانا فلا يقول له القائد لما قتلته وبالعكس يسأله ويحاسبه الآن هما مذهبان في الفرق الإسلامية مذهب المعتزلة الذين هم يقولون إن الإنسان ليس فقط مختاراً بل هو يخلق أفعال نفسه والمذهب المخالف له مذهب الأشاعرة الذين يقولون الإنسان مجبور لا يملك شيئاً بل قال أحد الذين كانوا يتبنون القول بالجبر يصف علاقة العبد مع الرب فيقول عن الله عز وجل وعبده:
" ألقاه في الجب مكتوفاً ثم قال له إياك إياك أن تبتل بالماء "
لو أراد إنسان عاقل أن يصف أظلم الظالمين وأجبر الجبارين بجبروته لما استطاع أن يصف بأكثر مما وصف هذا الإنسان ربه حين قال عن العبد أن الله ألقاه في البحر مكتوفاً ثم قال له إياك إياك أن تبتل بالماء. هذا منتهى الظلم بالنسبة للمذهب الأول مذهب المعتزلة الذين يقولون بالاختيار المطلق من جهة ثم يصرحون بما يخالف الشريعة بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه هناك مذهبٌ وسطٌ وهو مذهب أهل الحديث ووافقهم في ذلك الماتريدية الذين يمثلون العقيدة الحنفية في المذهب الحنفي لأنه الأحناف لهم مذهبان مذهب في الأحكام وهم على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد. أما في العقائد فهم على مذهب أبي منصور الماتريدي فأبو منصور الماتريدي خالف المعتزلة من جهة وخالف الأشاعرة من جهة أخرى وهو قال بالاختيار خلافاً للأشاعرة ولم يقل بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه كما قال المعتزلة وهذا هو مذهب أهل الحديث ومن هنا يظهر معقولية تكليف العباد تبارك وتعالى بالطاعة ونهيهم عن المعصية لأن الله خلقهم مستعدين مستطيعين لتنفيذ الأوامر والاجتناب عن النواهي وإلا لو كان الأمر كما قال الأشاعرة أو الأشعرية أن الإنسان مجبور فما معنى قول رب العالمين افعل ولا تفعل وهو يخاطب إنساناً مغللاً؟ هذا أمر مستحيل. هنا الآن بعد هذه التوطئة نأتي إلى الآية يقول الله عز وجل: (( لا يُسأَل عما أفعل وهم يسألون )) الجبرية تأولوا هذه الآية أي ربنا يقول أيها العبيد ليس لكم أن تسألوني لماذا خلقت وفعلت وو وإلخ أنتم الذين تُسألون مني كأنهم يفسرون الآية بمعنى أن الله يفعل ما يشاء بحق وكما قال تعالى :(( فعالٌ لما يريد )) ولكن يفصلون الحكمة عن الإرادة الإلهية والعدل عن الإرادة الإلهية وهو يفعل ما يشاء من هنا جاءت طامةٌ كبرى في المذهب الأشعري حيث صرحوا بأن لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي. وإذا أريد شرح هذه الضلالة الكبرى يقولون يجوز لله عز وجل أن يأخذ إبليس يوم القيامة ويجعله في المقام المحمود وأن يضع محمداً عليه السلام في أسفل سافلين محل إبليس الرجيم يقولون هذا جائز على الله لأنه فعال لما يشاء (( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )) أما أهل العلم القائلون بأن الله بلا شك فعال لما يريد لكنه يفعل ما يفعل مقروناً بالصفة الأزلية الملازمة له والتي لا يمكن لمسلم أن يتصور إطلاقاً انفصال هذه الصفة عن الله بحيث أنه إذا فعل شيئاً نقول مثلاً لا يستطيع المسلم أن يتصور أن الله عز وجل إذا فعل شيئاً فعله بغير علمٍ فعله بغير عدلٍ
السائل : السلام عليكم
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله تفضل يا خالد هنا عند صاحبك أبو أحمد هنا أبو أحمد. أي ما شاء الله أبو أحمد آخذ محلين أنت ما شاء الله . أبو الحارث تعال تعال إليّ إليّ إليّ
السائل : أكثر من هكذا ما بدنا نضايقكم
الشيخ : ما في مضايقة
السائل : الله يبارك فيك
الشيخ : فلا يمكن أن يتصور مسلم أن الله عز وجل إذا فعل فعلاً أو خلق خلقاً هو يفعل ذلك منفرداً بصفته الخالقية والقدرة وليس إلا فهو يخلق بغير علمٍ هذا مستحيل يخلق بغير عدلٍ مستحيل يخلق بغير حكمة مستحيل إذاً ما معنى الآية الكريمة التي جاءت في خبر موسى عليه السلام المنسوب إليه لا أسال عما أفعل لأنني أفعل بعدل وبحكمة وأنتم تسألون لأنكم عبيد عابدون مخطئون تظلمون أنفسكم وتظلمون غيركم أما أنا فكما قال في القرآن الكريم: (( وما ربك بظلام للعبيد )) لا يظلم مثقال ذرة وكما جاء في الحديث الصحيح الحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) وفي رواية (فلا تظّلاموا يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من اطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) الشاهد من هذا الحديث بعد بعض الآيات التي أشرت إليها آنفاً أن الله عز وجل صرح في هذا الحديث الصحيح في مسلم أن الظلم المعهود بين الناس هذا الظلم الذي ترفع الله عنه ونزه نفسه عنه أقول هذا لأن من فتنة تلك المقالة التي ذكرتها آنفاً واللازمة لمذهب الأشاعرة القائلون بأن الإنسان مجبور وأن الله يفعل ما يشاء لا يسأل حتى على ضوء المثال الفاحش جداً جداً ولا أستحسن إعادته على ضوء هذا قالوا كيف تقولون يجوز على الله والله قد نزه نفسه عن الظلم بنص القرآن الكريم كان جوابهم ما هو الظلم؟ الظلم أن يتصرف الإنسان في ملك غيره وخلق الله وعبيده هم من خلقه فإذاً هو يفعل بهم ما يشاء فلا يصدق في زعمهم الظلم المعهود عند الناس لا ينطبق على الله لأن الظلم المعهود عند الناس هو أن يتصرف أحدٌ ما في ملك غيره أما الله فالملك كله لله فإذن هو يجوز له أن يتصرف فيهم كيفما يشاء فيرمي في النار من لا يستحق النار وإنما يستحق الجنة ويدخل الجنة من لا يستحق الجنة واللائق به النار هذا ليس ظلماً لأنه يتصرف في ملكه يأتي الحديث كما يقال اليوم فيضع النقاط على الحروف ويفسر الظلم ليس بالتفسير الذي فسره الأشاعرة بل يقول الظلم المعروف عندكم أنه ظلم فالله قد تنزه عنه إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا أنتم -وعليكم السلام ورحمة الله - فنحن حينما يظلم بعضنا بعضاً يتصرف أحدنا في ملك غيره هذا صحيح لكن الله عز وجل وسع معنى الظلم لأكثر مما قاله الأشاعرة الآن يلزم مخالفتان اثنتان من تفسير الأشاعرة للظلم فراراً من مخالفة الآيات الصريحة مفسدتان المفسدة الأولى مخالفتهم للحديث الصحيح إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته هذا الظلم بينكم محرماً فلا تظالموا إذاً الظلم واحد. الشيء الثاني التصرف في ملك الغير أنا الآن أظلم نفسي فهل يجوز لي أن أظلم نفسي الله يقول (( فلا تظلموا فيهن أنفسكم )) إذاً قولهم التصرف في ملك الغير هذا تفسير قاصر باطل عاطل شرعاً وعقلاً لأن الإنسان لا يجوز له أن يتصرف في نفسه هل يجوز مثلاً للإنسان أن يقتل نفسه ما يعتدي على غيره لا يجوز بداهة بل لا يجوز أن يرتكب معصية لأنه يظلم بها نفسه هكذا إذن تفسير الظلم عند الأشاعرة ناتج عن انحراف جذري في موضوع يتعلق بالإنسان ألا وهو هل هو مختار أم هو مجبور فهم قالوا بالجبر وعلى ضوء هذه القولة الباطلة كما قللت آنفاً شرعاً وعقلاً يتأولون النصوص منها (( لا يُسأل عما يفعل )) لماذا لأني أفعل ما أريد ممكن أدخل هذا جنة وهو أهل للنار والعكس بالعكس. لا. إنما المعنى لا أسأل عما أفعل لأني كل ما أفعله لحكمة ولعدل قد يخفى عليكم يا عبادي ولكني فعال لما أريد بالعدل والحكمة أما أنتم فلستم كذلك والواقع يشهد بهذا حينئذ لو أردنا أن نناقش هذا السؤال المروي عن موسى ماذا يخرج معنا ؟ يخرج معنا أن موسى كان جبرياً كان يتبنى رأي الأشاعرة الذين ما كانوا خلقوا بعد ولكن كان أمثالهم قد خلقوا في كل زمان ومكان لأن العقيدة كون الإنسان مجبورا أم مختارا ما هي كما يقال من بنات أفكار بعض الفرق الإسلامية. هذا ما بحثه الفلاسفة قبل الإسلام بزمن قصير وطويل ولذلك فليس من المعقول أن يتوجه موسى عليه السلام بمثل هذا السؤال لأن هذا السؤال إن فُهم على مذهب الجبرية عقل أن يتوجه لإزالة الشبهة أن يسأل الله كيف هذا؟ وأنت تريد تأمر بالطاعة وتعصى. الآن ننتقل إلى مسألة أخرى وفي دقة متناهية أيضاً تتعلق بكون الإنسان مختاراً وليس مجبوراً هذه المسألة حينما يفعل الإنسان شيئاً من الأعمال سواء كانت من الطاعات أو المعاصي يفعلها بالاختيار هل يفعلها بمشيئة الله أم دون مشيئة الله؟ هنا نخرج -وعليكم السلام ورحمة الله - حينما يفعل الإنسان فعلاً ما سواء كان طاعةً أم كان معصيةً فهل هو بمشيئة الله وإرادته أم لا على قول المعتزلة ليس بمشيئة الله وإرادته لأنهم قالوا بأن الإنسان يخلق أفعاله نفسه بنفسه والله لا يريد ذلك وهذا نوع من الضلال آخر وقع فيه المعتزلة تفرع هذا الضلال لذاك الضلال حينما قالوا الإنسان يخلق أفعال نفسه بنفسه. يقابل هذا القول قول الأشاعرة مع تأويل أما القول فمسلَّم به وهو أن أي شيء يفعله الإنسان طاعة أو معصية بمشيئة الله وإرادته وهذا حق لأن الله عز وجل يقول: (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) لكنهم يقرنون وهنا النقطة الحساسة التي يجب على كل مسلم أن يفهمها جيداً. يقرنون إلى هذا القول الحق فإذن فهو مجبورٌ ما دام كل شيء بمشيئة الله فإذن هو مجبورٌ أما أهل السنة أهل الحديث ومعهم الماتريدية فيقولون لا تلازم بين كون الإنسان حينما يفعل شيء يفعله بمشيئة الله وإرادته وبين كونه مجبوراً لا تلازم بل هناك انفكاك فالله عز وجل كل شيء بمشيئته ولكن هذه المشيئة لا تنفي المشيئة عن العبد ولا ترفع الاختيار عنه فإذن الإنسان المكلف حينما يفعل الفعل بغض النظر عن كونه طاعة أو معصية ففي الوقت الذي يفعل ما يفعل بإرادة الله ومشيئته فهو أيضاً بإرادة هذا الإنسان المكلف فإذا ما تصورنا حالةً لهذا الإنسان فعل ما فعل مضطراً غير مختار ارتفعت المسؤولية من الله عن عبده هذا وهذا من عدل الله وحكمته في عباده. من هنا يأتي إعادة تركيب المثال السابق فربنا عز وجل لا يقول للقاتل الخطأ لماذا قتلت لأن الاختيار لم يكن في بيده يوم قتل خطأً وعلى العكس من ذلك يقول لقاتل العبد لماذا قتلت لأنه كان مختاراً في القتل فإذاً نستطيع أن نقول الآن بأن إرادة الله تبارك وتعالى أولاً لا تنافي كون الإنسان مختاراً بصورة عامة ولا تنافي أن يكون الإنسان مختاراً حينما يفعل الفعل سواء كان طاعة أو معصية هذا كقاعدة. لكن إذا ما أخذنا جزئية أو بعض الجزئيات وتصورنا فيها عدم تحقق الاختيار في إنسان ما حينئذٍ يرتفع المؤاخذة عنه عند الله عز وجل لأن المؤاخذة رتبها بالاختيار لذلك يخاطب عباده بقوله عز وجل: (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) إذاً مناط التكليف تكليف الله لعباده مربوط بوجود هذا الاختيار الذي أقامه الله عز وجل في عباده ليصح أن يؤاخذ أن يثاب وأن يعاقب فإذا ما ارتفع هذا الاختيار ارتفعت المسؤولية وارتفع أيضاً الثواب لأن أي إنسان يفعل خيراً وهو لا يقصده يفعله وهو لا يريده فليس عليه الثواب كما أنه إذا فعل الشر فليس عليه العقاب. فضربت آنفاً مثلاً معهوداً ولكني سأضرب لكم مثلاً ليس معلوماً قاتل العمد وقاتل الخطأ لو أن رجل زنى بامرأة رغم عنها يرفع الحد عنها ويقام الحد على الزاني. وهذا من الأمثلة الكثيرة والكثيرة جداً التي تلفت نظر القاصرين في عقلهم وتفكيرهم القائلين بأن الإنسان مضطر لماذا فرق الشرع بين القاتل عمداً والقاتل خطأ لماذا أقام الحد على الزاني عمداً ورفع هذا الحد عن المزني بها رغم أنفها كل ذلك مراعاة لهذا المناط لهذا الحكم ألا وهو الاختيار . حينئذٍ نأتي ولعله نهاية المطاف في هذه المسألة إذا كان الأمر كما قلنا وهو كما قلنا أن الإنسان لا يكلف إلا بوجود الاختيار اقتضت حكمة الله عز وجل أنه كلف عباده بما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا فعل الإنسان كما ذكرنا آنفاً فعلاً منكراً باختياره مع ذلك نقول: الله شاء هذا الفعل. فكيف نجمع بين مشيئة الله لهذا الفعل المنكر وبين المؤاخذة؟ لأنه هنا سألت سؤال وهي من أسباب القول بالجبر دون الاختيار إذاً إذا كان كل شيء يقع بمشيئة الله من هذه المنكرات فإذاً غير بقي الاختيار الذي ندندن أن التكليف منوطٌ به؟ الجواب أن من حكمة الله عز وجل في خلقه أنه كلفهم أن يفعلوا ما في اختيارهم أما كيف نجمع في عقلنا الضيق القاصر أن نفهم السر كيف يكون الإنسان مختاراً وإرادة الله هي الغالبة هذا لا مناص لنا منه (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) هنا تفرق الناس منهم من قالوا إذن الإنسان مجبور لأن مشيئة الله هي الغالبة ناس قالوا لا إذا نريد نقول مشيئة الله هي الغالبة إذاً الإنسان مجبور فنحن نقول أي المعتزلة بقى يقولون إذاً إرادة الله لا تتعلق بأفعال العباد من هنا جاءت ضلالتهم الكبرى بأنهم يخلقون أفعالهم بأنفسهم أما أهل السنة فهم يعترفون أولاً ومبدئياً بأن صفة من صفات الله عز وجل لا يمكن لأي عبدٍ أن يحيط بها علماً وهو لا يستطيع أن يقول كيف يريد الله من عبده أن لا يفعل ثم هذا العبد يفعل ما لا يريد الله كما جاء في سؤال موسى هنا لا بد من التفريق بين محبة الله للشيء وإرادة الله للشيء فكل شيءٍ يحبه الله و وقع فهو مرادٌ له ولكن ليس كل ما يحبه الله يقع وهذا ما يحتاج إلى دليل يريد من عباده الإيمان فمنهم المؤمن ومنهم الكافر ما وقع الذي يريده بمعنى يحبه فكل شيءٍ يقع فهو يريده ولكن ليس كل شيءٍ يقع هو يحبه لأن الله عز وجل لا يحب الكفر ومع ذلك الكفر واقع والإيمان يحبه ولكن كثير من الناس لا يؤمنون فلم يقع بعبارة أخرى الإرادة عن في اللغة الشرعية من المحبة فكل مرادٍ وقع فقد يكون محبوباً وقد يكون مكروهاً. وعلى العكس من ذلك كثير مما يحبه الله عز وجل لا يقع فإذا ما وقع من الإنسان معصيةٌ ما نقول هذا بإرادة الله ولكن ليس هو الله أما إذا كان الواقع هو الإيمان والعمل الصالح فهنا اجتمع الأمران الحب من الله والإرادة له من أين نأخذ هذا التعميم في الإرادة (( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )) فإذا عجز عقلٌ ما أن يجمع في ذهنه أن هذا المنكر أراده الله ثم وقع باختيار هذا الإنسان فحينئذٍ لا بد من الإيمان الذي هو مناط الامتحان لا بد من التسليم بأنه والله أنا لم أستطع أن أجمع في ذهني أنو هذا الذي عصى ربه إبليس سيد العصاة وأولهم هذا عصى ربه باختياره ولا شك لكن ما عصى ربه رغم الإله ورغم إرادته لا هو بإرادة الله عز وجل لكن ما كل شيءٍ وقع من الله أراده يحبه كل شيءٍ وقع يريده ولكن قد يحبه إذا كان صالحاً وقد لا يحبه إذا كان طالحاً وقد جمع هذه الفكرة أحد علماء الماتريدية الذين هم مع أهل الحديث في موضوع إثبات الاختيار وعدم نسبة الظلم إلى الله عز وجل بأي معنى كان. قال عن الله عز وجل " مريدُ الخيرِ والشرِ القبيحِ ولكن ليس يرضى بالمحالِ " مريدُ الخيرِ والشرِ القبيحِ قلنا أنه يريد الواقع سواء كان خيراً أو شراً ولكن ليس يرضى بالمحال أي بالشر وهو لا يرضى كما قال تعالى (( ولا يرضى لعباده الكفر )) إذاً هنا ينتهي هذا الموضوع الحساس الدقيق وخلاصته أن على كل مسلم أن يعتقد لأنه مسؤولٌ أمام الله فيما يأتي وما يذر لأنه قد ركب فيه إرادةً تظهر في تصرفاته الشخصية في كل حياته فغير أن نؤمن بأن الإنسان مختار فإذا ما وجد هذا الاختيار وجد التكليف وإذا ما ارتفع ارتفع التكليف وبالإضافة إلى ذلك أن نؤمن بأن الله عز وجل يريد كل شيءٍ يقع سواءٌ كان خيراً أو شراً وأن الله عز وجل لا يعذب من يعصيه مضطراً وليس مختاراً " مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال " وأعتقد من تجربتي الطويلة في بحثي في مثل هذه المسألة أنه قد يخطر في بال أحد الحاضرين بعض الأسئلة المتعلقة في مثل هذا الموضوع فأنا أستحبه وأرى من تمام البحث أنه إذا لم يتضح لبعض الحاضرين جانب من جوانب هذا الموضوع المثار آنفاً أن يحرك الموضوع من جديد بطرحه للسؤال الذي يكشف عما يكون قد خفي عليه .
" ألقاه في الجب مكتوفاً ثم قال له إياك إياك أن تبتل بالماء "
لو أراد إنسان عاقل أن يصف أظلم الظالمين وأجبر الجبارين بجبروته لما استطاع أن يصف بأكثر مما وصف هذا الإنسان ربه حين قال عن العبد أن الله ألقاه في البحر مكتوفاً ثم قال له إياك إياك أن تبتل بالماء. هذا منتهى الظلم بالنسبة للمذهب الأول مذهب المعتزلة الذين يقولون بالاختيار المطلق من جهة ثم يصرحون بما يخالف الشريعة بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه هناك مذهبٌ وسطٌ وهو مذهب أهل الحديث ووافقهم في ذلك الماتريدية الذين يمثلون العقيدة الحنفية في المذهب الحنفي لأنه الأحناف لهم مذهبان مذهب في الأحكام وهم على مذهب أبي حنيفة وصاحبيه أبي يوسف ومحمد. أما في العقائد فهم على مذهب أبي منصور الماتريدي فأبو منصور الماتريدي خالف المعتزلة من جهة وخالف الأشاعرة من جهة أخرى وهو قال بالاختيار خلافاً للأشاعرة ولم يقل بأن الإنسان يخلق أفعال نفسه كما قال المعتزلة وهذا هو مذهب أهل الحديث ومن هنا يظهر معقولية تكليف العباد تبارك وتعالى بالطاعة ونهيهم عن المعصية لأن الله خلقهم مستعدين مستطيعين لتنفيذ الأوامر والاجتناب عن النواهي وإلا لو كان الأمر كما قال الأشاعرة أو الأشعرية أن الإنسان مجبور فما معنى قول رب العالمين افعل ولا تفعل وهو يخاطب إنساناً مغللاً؟ هذا أمر مستحيل. هنا الآن بعد هذه التوطئة نأتي إلى الآية يقول الله عز وجل: (( لا يُسأَل عما أفعل وهم يسألون )) الجبرية تأولوا هذه الآية أي ربنا يقول أيها العبيد ليس لكم أن تسألوني لماذا خلقت وفعلت وو وإلخ أنتم الذين تُسألون مني كأنهم يفسرون الآية بمعنى أن الله يفعل ما يشاء بحق وكما قال تعالى :(( فعالٌ لما يريد )) ولكن يفصلون الحكمة عن الإرادة الإلهية والعدل عن الإرادة الإلهية وهو يفعل ما يشاء من هنا جاءت طامةٌ كبرى في المذهب الأشعري حيث صرحوا بأن لله تعذيب الطائع وإثابة العاصي. وإذا أريد شرح هذه الضلالة الكبرى يقولون يجوز لله عز وجل أن يأخذ إبليس يوم القيامة ويجعله في المقام المحمود وأن يضع محمداً عليه السلام في أسفل سافلين محل إبليس الرجيم يقولون هذا جائز على الله لأنه فعال لما يشاء (( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون )) أما أهل العلم القائلون بأن الله بلا شك فعال لما يريد لكنه يفعل ما يفعل مقروناً بالصفة الأزلية الملازمة له والتي لا يمكن لمسلم أن يتصور إطلاقاً انفصال هذه الصفة عن الله بحيث أنه إذا فعل شيئاً نقول مثلاً لا يستطيع المسلم أن يتصور أن الله عز وجل إذا فعل شيئاً فعله بغير علمٍ فعله بغير عدلٍ
السائل : السلام عليكم
الشيخ : وعليكم السلام ورحمة الله تفضل يا خالد هنا عند صاحبك أبو أحمد هنا أبو أحمد. أي ما شاء الله أبو أحمد آخذ محلين أنت ما شاء الله . أبو الحارث تعال تعال إليّ إليّ إليّ
السائل : أكثر من هكذا ما بدنا نضايقكم
الشيخ : ما في مضايقة
السائل : الله يبارك فيك
الشيخ : فلا يمكن أن يتصور مسلم أن الله عز وجل إذا فعل فعلاً أو خلق خلقاً هو يفعل ذلك منفرداً بصفته الخالقية والقدرة وليس إلا فهو يخلق بغير علمٍ هذا مستحيل يخلق بغير عدلٍ مستحيل يخلق بغير حكمة مستحيل إذاً ما معنى الآية الكريمة التي جاءت في خبر موسى عليه السلام المنسوب إليه لا أسال عما أفعل لأنني أفعل بعدل وبحكمة وأنتم تسألون لأنكم عبيد عابدون مخطئون تظلمون أنفسكم وتظلمون غيركم أما أنا فكما قال في القرآن الكريم: (( وما ربك بظلام للعبيد )) لا يظلم مثقال ذرة وكما جاء في الحديث الصحيح الحديث القدسي قال الله تبارك وتعالى: ( يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا) وفي رواية (فلا تظّلاموا يا عبادي كلكم جائعٌ إلا من اطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي كلكم ضالٌ إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على قلب رجلٍ واحدٍ منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئاً يا عبادي يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ) الشاهد من هذا الحديث بعد بعض الآيات التي أشرت إليها آنفاً أن الله عز وجل صرح في هذا الحديث الصحيح في مسلم أن الظلم المعهود بين الناس هذا الظلم الذي ترفع الله عنه ونزه نفسه عنه أقول هذا لأن من فتنة تلك المقالة التي ذكرتها آنفاً واللازمة لمذهب الأشاعرة القائلون بأن الإنسان مجبور وأن الله يفعل ما يشاء لا يسأل حتى على ضوء المثال الفاحش جداً جداً ولا أستحسن إعادته على ضوء هذا قالوا كيف تقولون يجوز على الله والله قد نزه نفسه عن الظلم بنص القرآن الكريم كان جوابهم ما هو الظلم؟ الظلم أن يتصرف الإنسان في ملك غيره وخلق الله وعبيده هم من خلقه فإذاً هو يفعل بهم ما يشاء فلا يصدق في زعمهم الظلم المعهود عند الناس لا ينطبق على الله لأن الظلم المعهود عند الناس هو أن يتصرف أحدٌ ما في ملك غيره أما الله فالملك كله لله فإذن هو يجوز له أن يتصرف فيهم كيفما يشاء فيرمي في النار من لا يستحق النار وإنما يستحق الجنة ويدخل الجنة من لا يستحق الجنة واللائق به النار هذا ليس ظلماً لأنه يتصرف في ملكه يأتي الحديث كما يقال اليوم فيضع النقاط على الحروف ويفسر الظلم ليس بالتفسير الذي فسره الأشاعرة بل يقول الظلم المعروف عندكم أنه ظلم فالله قد تنزه عنه إني حرمت الظلم على نفسي فلا تظالموا أنتم -وعليكم السلام ورحمة الله - فنحن حينما يظلم بعضنا بعضاً يتصرف أحدنا في ملك غيره هذا صحيح لكن الله عز وجل وسع معنى الظلم لأكثر مما قاله الأشاعرة الآن يلزم مخالفتان اثنتان من تفسير الأشاعرة للظلم فراراً من مخالفة الآيات الصريحة مفسدتان المفسدة الأولى مخالفتهم للحديث الصحيح إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته هذا الظلم بينكم محرماً فلا تظالموا إذاً الظلم واحد. الشيء الثاني التصرف في ملك الغير أنا الآن أظلم نفسي فهل يجوز لي أن أظلم نفسي الله يقول (( فلا تظلموا فيهن أنفسكم )) إذاً قولهم التصرف في ملك الغير هذا تفسير قاصر باطل عاطل شرعاً وعقلاً لأن الإنسان لا يجوز له أن يتصرف في نفسه هل يجوز مثلاً للإنسان أن يقتل نفسه ما يعتدي على غيره لا يجوز بداهة بل لا يجوز أن يرتكب معصية لأنه يظلم بها نفسه هكذا إذن تفسير الظلم عند الأشاعرة ناتج عن انحراف جذري في موضوع يتعلق بالإنسان ألا وهو هل هو مختار أم هو مجبور فهم قالوا بالجبر وعلى ضوء هذه القولة الباطلة كما قللت آنفاً شرعاً وعقلاً يتأولون النصوص منها (( لا يُسأل عما يفعل )) لماذا لأني أفعل ما أريد ممكن أدخل هذا جنة وهو أهل للنار والعكس بالعكس. لا. إنما المعنى لا أسأل عما أفعل لأني كل ما أفعله لحكمة ولعدل قد يخفى عليكم يا عبادي ولكني فعال لما أريد بالعدل والحكمة أما أنتم فلستم كذلك والواقع يشهد بهذا حينئذ لو أردنا أن نناقش هذا السؤال المروي عن موسى ماذا يخرج معنا ؟ يخرج معنا أن موسى كان جبرياً كان يتبنى رأي الأشاعرة الذين ما كانوا خلقوا بعد ولكن كان أمثالهم قد خلقوا في كل زمان ومكان لأن العقيدة كون الإنسان مجبورا أم مختارا ما هي كما يقال من بنات أفكار بعض الفرق الإسلامية. هذا ما بحثه الفلاسفة قبل الإسلام بزمن قصير وطويل ولذلك فليس من المعقول أن يتوجه موسى عليه السلام بمثل هذا السؤال لأن هذا السؤال إن فُهم على مذهب الجبرية عقل أن يتوجه لإزالة الشبهة أن يسأل الله كيف هذا؟ وأنت تريد تأمر بالطاعة وتعصى. الآن ننتقل إلى مسألة أخرى وفي دقة متناهية أيضاً تتعلق بكون الإنسان مختاراً وليس مجبوراً هذه المسألة حينما يفعل الإنسان شيئاً من الأعمال سواء كانت من الطاعات أو المعاصي يفعلها بالاختيار هل يفعلها بمشيئة الله أم دون مشيئة الله؟ هنا نخرج -وعليكم السلام ورحمة الله - حينما يفعل الإنسان فعلاً ما سواء كان طاعةً أم كان معصيةً فهل هو بمشيئة الله وإرادته أم لا على قول المعتزلة ليس بمشيئة الله وإرادته لأنهم قالوا بأن الإنسان يخلق أفعاله نفسه بنفسه والله لا يريد ذلك وهذا نوع من الضلال آخر وقع فيه المعتزلة تفرع هذا الضلال لذاك الضلال حينما قالوا الإنسان يخلق أفعال نفسه بنفسه. يقابل هذا القول قول الأشاعرة مع تأويل أما القول فمسلَّم به وهو أن أي شيء يفعله الإنسان طاعة أو معصية بمشيئة الله وإرادته وهذا حق لأن الله عز وجل يقول: (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) لكنهم يقرنون وهنا النقطة الحساسة التي يجب على كل مسلم أن يفهمها جيداً. يقرنون إلى هذا القول الحق فإذن فهو مجبورٌ ما دام كل شيء بمشيئة الله فإذن هو مجبورٌ أما أهل السنة أهل الحديث ومعهم الماتريدية فيقولون لا تلازم بين كون الإنسان حينما يفعل شيء يفعله بمشيئة الله وإرادته وبين كونه مجبوراً لا تلازم بل هناك انفكاك فالله عز وجل كل شيء بمشيئته ولكن هذه المشيئة لا تنفي المشيئة عن العبد ولا ترفع الاختيار عنه فإذن الإنسان المكلف حينما يفعل الفعل بغض النظر عن كونه طاعة أو معصية ففي الوقت الذي يفعل ما يفعل بإرادة الله ومشيئته فهو أيضاً بإرادة هذا الإنسان المكلف فإذا ما تصورنا حالةً لهذا الإنسان فعل ما فعل مضطراً غير مختار ارتفعت المسؤولية من الله عن عبده هذا وهذا من عدل الله وحكمته في عباده. من هنا يأتي إعادة تركيب المثال السابق فربنا عز وجل لا يقول للقاتل الخطأ لماذا قتلت لأن الاختيار لم يكن في بيده يوم قتل خطأً وعلى العكس من ذلك يقول لقاتل العبد لماذا قتلت لأنه كان مختاراً في القتل فإذاً نستطيع أن نقول الآن بأن إرادة الله تبارك وتعالى أولاً لا تنافي كون الإنسان مختاراً بصورة عامة ولا تنافي أن يكون الإنسان مختاراً حينما يفعل الفعل سواء كان طاعة أو معصية هذا كقاعدة. لكن إذا ما أخذنا جزئية أو بعض الجزئيات وتصورنا فيها عدم تحقق الاختيار في إنسان ما حينئذٍ يرتفع المؤاخذة عنه عند الله عز وجل لأن المؤاخذة رتبها بالاختيار لذلك يخاطب عباده بقوله عز وجل: (( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) إذاً مناط التكليف تكليف الله لعباده مربوط بوجود هذا الاختيار الذي أقامه الله عز وجل في عباده ليصح أن يؤاخذ أن يثاب وأن يعاقب فإذا ما ارتفع هذا الاختيار ارتفعت المسؤولية وارتفع أيضاً الثواب لأن أي إنسان يفعل خيراً وهو لا يقصده يفعله وهو لا يريده فليس عليه الثواب كما أنه إذا فعل الشر فليس عليه العقاب. فضربت آنفاً مثلاً معهوداً ولكني سأضرب لكم مثلاً ليس معلوماً قاتل العمد وقاتل الخطأ لو أن رجل زنى بامرأة رغم عنها يرفع الحد عنها ويقام الحد على الزاني. وهذا من الأمثلة الكثيرة والكثيرة جداً التي تلفت نظر القاصرين في عقلهم وتفكيرهم القائلين بأن الإنسان مضطر لماذا فرق الشرع بين القاتل عمداً والقاتل خطأ لماذا أقام الحد على الزاني عمداً ورفع هذا الحد عن المزني بها رغم أنفها كل ذلك مراعاة لهذا المناط لهذا الحكم ألا وهو الاختيار . حينئذٍ نأتي ولعله نهاية المطاف في هذه المسألة إذا كان الأمر كما قلنا وهو كما قلنا أن الإنسان لا يكلف إلا بوجود الاختيار اقتضت حكمة الله عز وجل أنه كلف عباده بما يطيقون ولم يكلفهم ما لا يطيقون فإذا فعل الإنسان كما ذكرنا آنفاً فعلاً منكراً باختياره مع ذلك نقول: الله شاء هذا الفعل. فكيف نجمع بين مشيئة الله لهذا الفعل المنكر وبين المؤاخذة؟ لأنه هنا سألت سؤال وهي من أسباب القول بالجبر دون الاختيار إذاً إذا كان كل شيء يقع بمشيئة الله من هذه المنكرات فإذاً غير بقي الاختيار الذي ندندن أن التكليف منوطٌ به؟ الجواب أن من حكمة الله عز وجل في خلقه أنه كلفهم أن يفعلوا ما في اختيارهم أما كيف نجمع في عقلنا الضيق القاصر أن نفهم السر كيف يكون الإنسان مختاراً وإرادة الله هي الغالبة هذا لا مناص لنا منه (( وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين )) هنا تفرق الناس منهم من قالوا إذن الإنسان مجبور لأن مشيئة الله هي الغالبة ناس قالوا لا إذا نريد نقول مشيئة الله هي الغالبة إذاً الإنسان مجبور فنحن نقول أي المعتزلة بقى يقولون إذاً إرادة الله لا تتعلق بأفعال العباد من هنا جاءت ضلالتهم الكبرى بأنهم يخلقون أفعالهم بأنفسهم أما أهل السنة فهم يعترفون أولاً ومبدئياً بأن صفة من صفات الله عز وجل لا يمكن لأي عبدٍ أن يحيط بها علماً وهو لا يستطيع أن يقول كيف يريد الله من عبده أن لا يفعل ثم هذا العبد يفعل ما لا يريد الله كما جاء في سؤال موسى هنا لا بد من التفريق بين محبة الله للشيء وإرادة الله للشيء فكل شيءٍ يحبه الله و وقع فهو مرادٌ له ولكن ليس كل ما يحبه الله يقع وهذا ما يحتاج إلى دليل يريد من عباده الإيمان فمنهم المؤمن ومنهم الكافر ما وقع الذي يريده بمعنى يحبه فكل شيءٍ يقع فهو يريده ولكن ليس كل شيءٍ يقع هو يحبه لأن الله عز وجل لا يحب الكفر ومع ذلك الكفر واقع والإيمان يحبه ولكن كثير من الناس لا يؤمنون فلم يقع بعبارة أخرى الإرادة عن في اللغة الشرعية من المحبة فكل مرادٍ وقع فقد يكون محبوباً وقد يكون مكروهاً. وعلى العكس من ذلك كثير مما يحبه الله عز وجل لا يقع فإذا ما وقع من الإنسان معصيةٌ ما نقول هذا بإرادة الله ولكن ليس هو الله أما إذا كان الواقع هو الإيمان والعمل الصالح فهنا اجتمع الأمران الحب من الله والإرادة له من أين نأخذ هذا التعميم في الإرادة (( إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون )) فإذا عجز عقلٌ ما أن يجمع في ذهنه أن هذا المنكر أراده الله ثم وقع باختيار هذا الإنسان فحينئذٍ لا بد من الإيمان الذي هو مناط الامتحان لا بد من التسليم بأنه والله أنا لم أستطع أن أجمع في ذهني أنو هذا الذي عصى ربه إبليس سيد العصاة وأولهم هذا عصى ربه باختياره ولا شك لكن ما عصى ربه رغم الإله ورغم إرادته لا هو بإرادة الله عز وجل لكن ما كل شيءٍ وقع من الله أراده يحبه كل شيءٍ وقع يريده ولكن قد يحبه إذا كان صالحاً وقد لا يحبه إذا كان طالحاً وقد جمع هذه الفكرة أحد علماء الماتريدية الذين هم مع أهل الحديث في موضوع إثبات الاختيار وعدم نسبة الظلم إلى الله عز وجل بأي معنى كان. قال عن الله عز وجل " مريدُ الخيرِ والشرِ القبيحِ ولكن ليس يرضى بالمحالِ " مريدُ الخيرِ والشرِ القبيحِ قلنا أنه يريد الواقع سواء كان خيراً أو شراً ولكن ليس يرضى بالمحال أي بالشر وهو لا يرضى كما قال تعالى (( ولا يرضى لعباده الكفر )) إذاً هنا ينتهي هذا الموضوع الحساس الدقيق وخلاصته أن على كل مسلم أن يعتقد لأنه مسؤولٌ أمام الله فيما يأتي وما يذر لأنه قد ركب فيه إرادةً تظهر في تصرفاته الشخصية في كل حياته فغير أن نؤمن بأن الإنسان مختار فإذا ما وجد هذا الاختيار وجد التكليف وإذا ما ارتفع ارتفع التكليف وبالإضافة إلى ذلك أن نؤمن بأن الله عز وجل يريد كل شيءٍ يقع سواءٌ كان خيراً أو شراً وأن الله عز وجل لا يعذب من يعصيه مضطراً وليس مختاراً " مريد الخير والشر القبيح ولكن ليس يرضى بالمحال " وأعتقد من تجربتي الطويلة في بحثي في مثل هذه المسألة أنه قد يخطر في بال أحد الحاضرين بعض الأسئلة المتعلقة في مثل هذا الموضوع فأنا أستحبه وأرى من تمام البحث أنه إذا لم يتضح لبعض الحاضرين جانب من جوانب هذا الموضوع المثار آنفاً أن يحرك الموضوع من جديد بطرحه للسؤال الذي يكشف عما يكون قد خفي عليه .
- سلسلة الهدى والنور - شريط : 425
- توقيت الفهرسة : 00:03:14
- نسخة مدققة إملائيًّا