المرأة إذا كشفت وجهها وكفيها هل تأثم ؟ مع ذكر شروط الحجاب الشرعي للمرأة المسلمة .
A-
A=
A+
السائل : بالنسبة للمرأة إذا كشفت وجهها وكفَّيها هل تأثم ؟
الشيخ : الجواب على هذا : إذا كان وجه المرأة على سجيَّته وعلى طبيعته ، إي نعم ، وكذلك كفَّاها فالأفضل لها أن تسترهما ، لكن إذا كشفت عنهما فلم ترتكب محرَّمًا ، والمسألة فيها خلاف قديم بين علماء المسلمين وجمهور العلماء على أن المرأة المسلمة يجب عليها أن تستر جميع بدنها من رأسها إلى أخمص قدمها إلا الوجه والكفَّين ففي ذلك خلاف ، منهم من يقول بأن الوجه والكفَّين يُلحقان بسائر البدن ، فيحرم على المرأة أن تظهر وجهها وكفَّيها ، ومنهم من يقول هذا مُستثنى من التحريم ؛ لأن المرأة خاصَّة في بلاد الفلح وبلاد البدو فما تستطيع المرأة أن تظلَّ متنقِّبة دائمًا وأبدًا ، ولابسة القفَّازين ؛ خاصَّة الفلاحات اللي بدهم يحصدوا وبدم كذا ، فهم مضطرَّات يعني بحكم واقعهنَّ أن يستعملن أكفوفهنَّ ، وأنا أذكر بهذه المناسبة قصة وقعت في عهد الرسول - عليه السلام - ، مرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزوجة عبد الرحمن بن عوف ، وهي تحمل شيئًا من أرضٍ كان لعبد الرحمن بن عوف ، الآن أشك أنا هو عبد الرحمن أو الزبير بن العوام ، الشك من عندي ، المهم أحد العشر المبشرين بالجنة .
سائل آخر : الزبير زوج أسماء .
الشيخ : آ ؟
سائل آخر : الزبير زوج أسماء ؟
الشيخ : زوج أسماء ، نعم ؟
سائل آخر : هو ... .
الشيخ : هو ... فمرَّ الرسول - عليه السلام - بزوجته ، فعرضَ عليها أن تكون رديفًا له - عليه السلام - فاستحت ؛ لماذا ؟ لأنها ذكرت غيرة زوجها ، فلما أُخبِرَ زوجُها بخبرها قال : ما كنت لأغار على أحد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أغار من كل الناس إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه معصوم بطبيعة حال ، بل هو رسول الله وخاتم النبيِّين .
الشاهد : فمن أين هي كانت آتية ؟
من أرض كان أقطَعَها الرسول - عليه السلام - لهذا الزبير بن العوام خارج المدينة ، فكانت تذهب إلى هناك وتجمع النَّوى نوى التمر ، وتطحنه وتقدِّمه علفًا للإبل وهكذا ، هكذا كانت النساء في الزمن الأول ، فليس من المُيسَّر أن يوجب وجوبًا عينيًّا على المرأة أن تغطِّيَ وجهها وكفَّيها ، لكن الشرع أباح لها بل استحبَّ لها أن تستُرَ وجهها وكفَّيها ، هذا لِمَن تيسر لها ذلك ، أما من لم تفعل فليست بمتبرِّجة ، إذا كان سائر جسمها مغطَّى بالحجاب الشرعي ، والحجاب الشرعي يُشترط فيه ثمانية شروط ، وهذه الشروط قلَّما تتوفَّر حتى في الحجاب الشرعي المعروف في بعض البلاد التي لا تزال متمسِّكة بالعادات الإسلامية ، ما أقول بالعادات العربية ، وإنما بالعادات الإسلامية ، مثلًا من شروط الحجاب أن يكون فضفاضًا واسعًا يغطِّي الرأس إلى ظاهر القدمين ، لا يكون فوق القدمين ، وإنما يمشي مع الأرض كما جاء في الحديث الصحيح قال - عليه السلام - : ( من جرَّ إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) . قالت امرأة : يا رسول الله ، إذًا تنكشف أقدامنا . قال : ( تطيل شبرًا ) أي : تحت الكعبين شبرًا . قالت : تأتي ريح فتكشف عن ما هناك من الساقين . قال : ( تطيل ذراعًا ولا تزدْنَ على ذلك ) ، معنى هذا إن المرأة ينبغي أن تجرَّ ذيلها ؛ لأن ذلك أستر وأشرف لها .
الشرط الأول : إذا أن يكون فضفاضًا واسعًا .
الشرط الثاني : ألَّا يكون شفَّافًا يشفُّ عن البشرة .
الشرط الثالث : أن لا يكون مبخَّرًا مطيَّبًا .
الشرط الرابع : أن لا يكون في نفسه زينة مزخرفًا ؛ يعني ينبغي أن يكون ساذجًا ليس فيه أحمر وأخضر و ... ونحو ذلك .
نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : أيوا ، يلفت النظر ، أحسنت . وما أدري الشرط الخامس أو السادس .
السائل : أن يكون ضيِّقًا .
الشيخ : هو هذا ، لما قلنا فضفاضًا فهو هذا المعنى بارك الله فيك .
الشاهد : وأن لا يشبه ثوب الرجال ، يكون لها زيٌّ خاص بالنساء ، وشرط أن لا يشبه ثوب الكافرات ، بعض الرَّاهبات قديمًا كنَّ يتستَّرن سترة كاملة إلا الوجه ، لكنه قصير شوي ، فلا يجوز أن يكون السترة أو الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة أن يكون مُشابهًا لثياب الكافرات .
والشرط الأخير : ألَّا يكون ثوبَ شهرة ، ألَّا يكون ثوب شهرة ؛ بمعنى تتميَّز واحدة من بين النساء بزيٍّ خاصٍّ لها لو لم يتوفَّر فيها كل المخالفات السابقة سوى البروز بثوبها الخاص بين بنات جنسها ، فهذا لا يجوز ؛ لقوله - عليه السلام - : ( من لبس ثوبَ شهرةٍ ألبَسَه الله ثوب مذلَّةٍ يوم القيامة ) ، فإذا توفَّرت هذه الشروط .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : ما قلناه هذا ، قلناه ، إي نعم .
فإذا توفَّرت هذه الشروط في حجاب المرأة المسلمة فقد أطاعت الله ورسوله ، بعد ذلك الوجه يبقى مخيَّرة فيها ، الأفضل لها والأشرف لها أن تستُرَ وجهها ؛ لقوله - عليه السلام - : ( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلُحْ أن يُرى منها إلا وجهها وكفيها ) ، والتاريخ الإسلامي الأوَّل يدلُّنا على أنُّو واقع النساء كان كذلك ؛ مثلًا حديث في " صحيح البخاري " أن امرأة سوداء كانت تقمُّ بالمسجد مسجد الرسول - عليه السلام - تجمع منه القمامة ، تعرفون القمامة ؟ كويس ، ثم افتقدها الرسول - عليه السلام - ما عاد رآها كما كان يراها من قبل ، فسأل عنها ؟ فقالوا له : إنها ماتت . قال : ( ودَفَنْتُموها ؟ ) . قالوا : نعم . قال لهم : ( أَفَلَا آذَنْتُموني ؟ ) ، أخبرتموني بوفاتها ؛ حتى =
-- هي أنا عندي بارك الله فيك . سائل آخر : جديد . الشيخ : جديد ، طيب ؛ ولكل جديد لذَّة --
= قال - عليه السلام - : ( دلُّوني على قبرها ) ، فذهب إلى قبرها وصلَّى عليها وهي في قبرها ، وصلى الصحابة خلفَه معه . الشاهد : من أين عُرفت هذه إنها كانت امرأة سوداء ؟ إذا افترضناها أنها تلبس الجلباب وتضع المنديل أو الإيش ؟ البرقع أو الإيش ؟ النقاب وتلبس إيش ؟ القفازين ، كذلك حوادث كثيرة وكثيرة جدًّا ، منها أن الرسول - عليه السلام - خطب يوم عيد في الصحابة ، ثم أتى النساء فوعظهنَّ وذكرهنَّ وأمرهنَّ بالصدقة ، وبلال في يده ثوب يجمع فيه الصدقات ، قال بلال : فلقد رأيتهنَّ تمتد أيديهنَّ إلى أقراطهنَّ ويتصدَّقْنَ بذلك ، ويلقينها في ثوب بلال ، فإذًا الأيدي كانت ظاهرة ، ولا يمكن مع يُسر الإسلام أن نُوجِبَ فرضًا لازمًا أنُّو ما يظهر هذا ، لكن الأفضل الباب واسع ؛ ولذلك قال - عليه السلام - : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفَّازين ) ، هذا الحديث يُعطينا حكمَين متعاكسَين ، أحدهما بمنطوق الحديث بتعبير العلماء ، والآخر بمفهوم الحديث ، منطوق الحديث لا يجوز للمرأة الحاجة أو المعتمرة وهذه قضية يخالفها البدو بكثرة نظرًا لجهلهم وغلبة العادة - أيضًا - عليهم ، فهنَّ يتبرقعْنَ ، فتأتي الحج والعمرة وهي هكذا ، نراهم في المواسم مواسم الحج وهي تحجُّ وتطوف طواف القدوم وهي إيه ؟ منتقبة ، هذا ما يجوز ، ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) ، ارجع الآن انظر لماذا تطوف هكذا ؟ هكذا عادتها ، وهذه عادة كويسة ، لكن ليست كعادة شرب الدخان ، مع ذلك غلبت هذه العادة على النساء المعتمرات والحاجَّات ، فحذَّرهم الرسول - عليه السلام - وقال : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) ، هذا منطوق الحديث ، مفهومه أنُّو غير الحاجة وغير المعتمرة تنتقب وتلبس القفازين ، وهذا هو الأفضل كما قلنا ، ولكنَّنا لا نشدِّد على الناس ، ولا نقول على المرأة المتحجِّبة الحجاب الشرعي السابق الذكر لزامًا عليك أن تتبرقعي أو أن تتنقبي أو أن تتمندلي ، لا ، أنت مخيَّرة ، أو أن تلبسي القفازين .
وبهذه المناسبة بعض إخواننا أبدى ملاحظة جميلة جدًّا ، من شروط الحجاب ألَّا يحجِّم ، طيب ؛ القفازين بيحجموا ، والبرقع يحجِّم ، هذه اللي أنفها ناتئ ، وهذا اللي أنفها داخل ، وهذه جبينها بارز ، وإلى آخره ، إذًا هذا ليس بالأمر الواجب ؛ ولذلك نحن نقول لك : مَن حافظ على الحجاب الشرعي بالشروط الثمانية فهو الحجاب المأمون في قوله - تعالى - : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ )) ، الجلباب هي العباءة تُلقيها المرأة على رأسها وتلفُّها على صدرها بحيث لا يظهر شيء من عنقها ، ويكون فضفاضًا وطويلًا ، هذا ما لدي .
السائل : اذكر لنا موقف الفضل .
الشيخ : نعم ؟
السائل : موقف الفضل .
الشيخ : موقف الفضل ؟
سائل آخر : الفضل ، لمَّا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشيح وجهه .
الشيخ : إي نعم ، أنت - بارك الله فيك - نقضت سؤالك ؛ لأنك قلت : بإيجاز ، والآن أنت تفسح لي المجال بالإطالة ، نذكره .
سائل آخر : ضرورة يعني .
الشيخ : طيب ؛ أنا ما أؤاخذك ، لكني أذكِّرك وأشكرك ؛ لأنك أفسحت لي مجال .
سائل آخر : جزاك الله خير ، هذه من طبيعتنا .
الشيخ : نعم ، هناك حديث في " صحيح البخاري ومسلم " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، وبعد أن رمى الجمرة وقف في طريقها امرأة خثعمية ، وكان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن عباس عمّ الرسول - عليه السلام - وابن عمه هو ، قالت : يا رسول الله ، إن أبي شيخٌ كبير لا يثبت على الرحل - يميل لشيخوخته - ، وقد أدركته فريضة الله الحج ؛ أفأَحُجُّ عنه ؟ قال : ( حجِّي عنه ) ، والفضل ينظر إليها وهي تنظر إليه ، وكانت وضيئةً جميلة ، هكذا في الحديث ، فكان الرسول يأخذ برأس الفضل إلى الجانب الآخر .
سائل آخر : يميِّله ، يزيحه هيك .
الشيخ : يميِّله ، ما يقول لها : استري وجهك ، هنا فائدة فقهيَّة عظيمة جدًّا ، لا يقول لها : استري وجهك ؛ لا سيَّما وقد كاد الشيطان يدخل بينها وبينه - أي : الفضل - ، بعض الناس يتوهَّمون ويظنُّون أنها كانت مُحرمة ؛ ولذلك الرسول لم يأمُرْها بأن تستر وجهها ، نحن نقول : هذه غفلة عن أنَّ هناك سترَين للوجه ، ستر ممنوع للحاجَّة وستر مباحٌ لها ، الممنوع على الحاجَّة هو النقاب هو البرقع ، لكن يجوز لها أن تسدِلَ حجابها سدلًا من الرأس على الوجه .
السائل : كالملاية .
الشيخ : نعم ، هو هكذا ، هذا سدلٌ وليس انتقابًا ، فالانتقاب هو المنهي عنه ( لا تنتقب المرأة المحرمة ) ، مثاله تمامًا الحاج لا يضع القلنسوة ولا يضع الظِّلالة هذه ، لكنه له أن يستعمل الشمسية ، له أن يستعمل الخيمة ، لكن لا يجوز هذه الخيمة أن تمسَّ إيش ؟ رأسه ويتغطَّى بها ، هذا بالنسبة للرجل ، بالنسبة للمرأة لا يجوز المرأة الحاجَّة لا يجوز أن تنتقب ، لكن إذا مرَّ الرجال بها وهي غيُّورة وعفيفة تُسدِلُ جلبابها على وجهها ، هذا أمرٌ جائز لها ، فلو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان شرَّع للناس أن المرأة يجب أن تستر وجهها هذا هو موضع التنبيه ، فبدل ما يقول للفضل هكذا وجهك يقول لها : يا أمة الله ، اصرفي اكفينا شرك ، وغطِّ وجهك ، لم يفعل شيئًا من ذلك أبدًا ، وهذا أكبر دليل أن تغطية الوجه ليس بالفرض ، ولو كان فرضًا فهذا هو مكانه المناسب ، بل المكان الأوجب ؛ لأنها كانت تنظر إلى الفضل والفضل ينظر إليها .
أخيرًا : نحن نقول التحريم والتحليل ليس بيدنا ، وإنما هو بيد الله ، الرسول - عليه السلام - ليس له أن يحلِّل ويحرِّم إنما هو مبلِّغ ، والتحليل والتحريم وقعت بعض الأمم قبلنا فيه ، فحذَّرنا الله - عز وجل - أن نفعلَ مثل فعلهم ؛ حيث قال - تعالى - في حقِّ النصارى : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، لما نزلت هذه الآية أشكلت على عديِّ بن حاتم الطائي ؛ لأنه كان من العرب الذين تنصَّروا في الجاهلية ، ثم هداه الله إلى الإسلام ، فهو يعرف عادات النَّصارى ، أشكلت عليه هذه الآية : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، قال : يا رسول الله ، كيف هذا ؟ ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله ! هو الحقيقة ما فهم الآية فهمًا صحيحًا ، ففهَّمه الرسول بالطريقة التالية : قال له : ( أَلَستم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ، وإذا حلَّلوا لكم حرامًا حلَّلتموه ؟ ) . قال : أما هذا فقد كان . قال : ( فذاك اتِّخاذكم إيَّاهم أربابًا من دون الله ) ، فالتحليل والتحريم هذه من خصوصيات ربِّ العالمين لا شريك له ؛ لذلك قال - تعالى - مستنكرًا بالاستفهام الاستنكاري : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه )) حاشا ! إذًا التحريم والتحليل ليس بأيدينا ، نحن تَبَع لما جاء في الكتاب والسنة ، والذي جاء في الكتاب والسنة في هذه القضية هو ما ذكرنا .
وأنا أقول كلمة أخيرة ، ونستأذن أبا مرزوق لنتهيَّأ للصلاة - إن شاء الله - ، أقول كلمة أخيرة : لو أن نساء المسلمين اليوم حافظوا على الحجاب الشرعي بالشروط المذكورة آنفًا لَانتصر المسلمون ، وتبقى قضيَّة الوجه والكفَّين قضيَّة ثانوية لا نشدِّد فيها ولا نجادل فيها .
والسلام عليكم ورحمة الله .
الشيخ : الجواب على هذا : إذا كان وجه المرأة على سجيَّته وعلى طبيعته ، إي نعم ، وكذلك كفَّاها فالأفضل لها أن تسترهما ، لكن إذا كشفت عنهما فلم ترتكب محرَّمًا ، والمسألة فيها خلاف قديم بين علماء المسلمين وجمهور العلماء على أن المرأة المسلمة يجب عليها أن تستر جميع بدنها من رأسها إلى أخمص قدمها إلا الوجه والكفَّين ففي ذلك خلاف ، منهم من يقول بأن الوجه والكفَّين يُلحقان بسائر البدن ، فيحرم على المرأة أن تظهر وجهها وكفَّيها ، ومنهم من يقول هذا مُستثنى من التحريم ؛ لأن المرأة خاصَّة في بلاد الفلح وبلاد البدو فما تستطيع المرأة أن تظلَّ متنقِّبة دائمًا وأبدًا ، ولابسة القفَّازين ؛ خاصَّة الفلاحات اللي بدهم يحصدوا وبدم كذا ، فهم مضطرَّات يعني بحكم واقعهنَّ أن يستعملن أكفوفهنَّ ، وأنا أذكر بهذه المناسبة قصة وقعت في عهد الرسول - عليه السلام - ، مرَّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - بزوجة عبد الرحمن بن عوف ، وهي تحمل شيئًا من أرضٍ كان لعبد الرحمن بن عوف ، الآن أشك أنا هو عبد الرحمن أو الزبير بن العوام ، الشك من عندي ، المهم أحد العشر المبشرين بالجنة .
سائل آخر : الزبير زوج أسماء .
الشيخ : آ ؟
سائل آخر : الزبير زوج أسماء ؟
الشيخ : زوج أسماء ، نعم ؟
سائل آخر : هو ... .
الشيخ : هو ... فمرَّ الرسول - عليه السلام - بزوجته ، فعرضَ عليها أن تكون رديفًا له - عليه السلام - فاستحت ؛ لماذا ؟ لأنها ذكرت غيرة زوجها ، فلما أُخبِرَ زوجُها بخبرها قال : ما كنت لأغار على أحد من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أغار من كل الناس إلا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ لأنه معصوم بطبيعة حال ، بل هو رسول الله وخاتم النبيِّين .
الشاهد : فمن أين هي كانت آتية ؟
من أرض كان أقطَعَها الرسول - عليه السلام - لهذا الزبير بن العوام خارج المدينة ، فكانت تذهب إلى هناك وتجمع النَّوى نوى التمر ، وتطحنه وتقدِّمه علفًا للإبل وهكذا ، هكذا كانت النساء في الزمن الأول ، فليس من المُيسَّر أن يوجب وجوبًا عينيًّا على المرأة أن تغطِّيَ وجهها وكفَّيها ، لكن الشرع أباح لها بل استحبَّ لها أن تستُرَ وجهها وكفَّيها ، هذا لِمَن تيسر لها ذلك ، أما من لم تفعل فليست بمتبرِّجة ، إذا كان سائر جسمها مغطَّى بالحجاب الشرعي ، والحجاب الشرعي يُشترط فيه ثمانية شروط ، وهذه الشروط قلَّما تتوفَّر حتى في الحجاب الشرعي المعروف في بعض البلاد التي لا تزال متمسِّكة بالعادات الإسلامية ، ما أقول بالعادات العربية ، وإنما بالعادات الإسلامية ، مثلًا من شروط الحجاب أن يكون فضفاضًا واسعًا يغطِّي الرأس إلى ظاهر القدمين ، لا يكون فوق القدمين ، وإنما يمشي مع الأرض كما جاء في الحديث الصحيح قال - عليه السلام - : ( من جرَّ إزاره خيلاء لا ينظر الله إليه يوم القيامة ) . قالت امرأة : يا رسول الله ، إذًا تنكشف أقدامنا . قال : ( تطيل شبرًا ) أي : تحت الكعبين شبرًا . قالت : تأتي ريح فتكشف عن ما هناك من الساقين . قال : ( تطيل ذراعًا ولا تزدْنَ على ذلك ) ، معنى هذا إن المرأة ينبغي أن تجرَّ ذيلها ؛ لأن ذلك أستر وأشرف لها .
الشرط الأول : إذا أن يكون فضفاضًا واسعًا .
الشرط الثاني : ألَّا يكون شفَّافًا يشفُّ عن البشرة .
الشرط الثالث : أن لا يكون مبخَّرًا مطيَّبًا .
الشرط الرابع : أن لا يكون في نفسه زينة مزخرفًا ؛ يعني ينبغي أن يكون ساذجًا ليس فيه أحمر وأخضر و ... ونحو ذلك .
نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : أيوا ، يلفت النظر ، أحسنت . وما أدري الشرط الخامس أو السادس .
السائل : أن يكون ضيِّقًا .
الشيخ : هو هذا ، لما قلنا فضفاضًا فهو هذا المعنى بارك الله فيك .
الشاهد : وأن لا يشبه ثوب الرجال ، يكون لها زيٌّ خاص بالنساء ، وشرط أن لا يشبه ثوب الكافرات ، بعض الرَّاهبات قديمًا كنَّ يتستَّرن سترة كاملة إلا الوجه ، لكنه قصير شوي ، فلا يجوز أن يكون السترة أو الحجاب بالنسبة للمرأة المسلمة أن يكون مُشابهًا لثياب الكافرات .
والشرط الأخير : ألَّا يكون ثوبَ شهرة ، ألَّا يكون ثوب شهرة ؛ بمعنى تتميَّز واحدة من بين النساء بزيٍّ خاصٍّ لها لو لم يتوفَّر فيها كل المخالفات السابقة سوى البروز بثوبها الخاص بين بنات جنسها ، فهذا لا يجوز ؛ لقوله - عليه السلام - : ( من لبس ثوبَ شهرةٍ ألبَسَه الله ثوب مذلَّةٍ يوم القيامة ) ، فإذا توفَّرت هذه الشروط .
سائل آخر : ... .
الشيخ : نعم ؟
سائل آخر : ... .
الشيخ : ما قلناه هذا ، قلناه ، إي نعم .
فإذا توفَّرت هذه الشروط في حجاب المرأة المسلمة فقد أطاعت الله ورسوله ، بعد ذلك الوجه يبقى مخيَّرة فيها ، الأفضل لها والأشرف لها أن تستُرَ وجهها ؛ لقوله - عليه السلام - : ( إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلُحْ أن يُرى منها إلا وجهها وكفيها ) ، والتاريخ الإسلامي الأوَّل يدلُّنا على أنُّو واقع النساء كان كذلك ؛ مثلًا حديث في " صحيح البخاري " أن امرأة سوداء كانت تقمُّ بالمسجد مسجد الرسول - عليه السلام - تجمع منه القمامة ، تعرفون القمامة ؟ كويس ، ثم افتقدها الرسول - عليه السلام - ما عاد رآها كما كان يراها من قبل ، فسأل عنها ؟ فقالوا له : إنها ماتت . قال : ( ودَفَنْتُموها ؟ ) . قالوا : نعم . قال لهم : ( أَفَلَا آذَنْتُموني ؟ ) ، أخبرتموني بوفاتها ؛ حتى =
-- هي أنا عندي بارك الله فيك . سائل آخر : جديد . الشيخ : جديد ، طيب ؛ ولكل جديد لذَّة --
= قال - عليه السلام - : ( دلُّوني على قبرها ) ، فذهب إلى قبرها وصلَّى عليها وهي في قبرها ، وصلى الصحابة خلفَه معه . الشاهد : من أين عُرفت هذه إنها كانت امرأة سوداء ؟ إذا افترضناها أنها تلبس الجلباب وتضع المنديل أو الإيش ؟ البرقع أو الإيش ؟ النقاب وتلبس إيش ؟ القفازين ، كذلك حوادث كثيرة وكثيرة جدًّا ، منها أن الرسول - عليه السلام - خطب يوم عيد في الصحابة ، ثم أتى النساء فوعظهنَّ وذكرهنَّ وأمرهنَّ بالصدقة ، وبلال في يده ثوب يجمع فيه الصدقات ، قال بلال : فلقد رأيتهنَّ تمتد أيديهنَّ إلى أقراطهنَّ ويتصدَّقْنَ بذلك ، ويلقينها في ثوب بلال ، فإذًا الأيدي كانت ظاهرة ، ولا يمكن مع يُسر الإسلام أن نُوجِبَ فرضًا لازمًا أنُّو ما يظهر هذا ، لكن الأفضل الباب واسع ؛ ولذلك قال - عليه السلام - : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفَّازين ) ، هذا الحديث يُعطينا حكمَين متعاكسَين ، أحدهما بمنطوق الحديث بتعبير العلماء ، والآخر بمفهوم الحديث ، منطوق الحديث لا يجوز للمرأة الحاجة أو المعتمرة وهذه قضية يخالفها البدو بكثرة نظرًا لجهلهم وغلبة العادة - أيضًا - عليهم ، فهنَّ يتبرقعْنَ ، فتأتي الحج والعمرة وهي هكذا ، نراهم في المواسم مواسم الحج وهي تحجُّ وتطوف طواف القدوم وهي إيه ؟ منتقبة ، هذا ما يجوز ، ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) ، ارجع الآن انظر لماذا تطوف هكذا ؟ هكذا عادتها ، وهذه عادة كويسة ، لكن ليست كعادة شرب الدخان ، مع ذلك غلبت هذه العادة على النساء المعتمرات والحاجَّات ، فحذَّرهم الرسول - عليه السلام - وقال : ( لا تنتقب المرأة المحرمة ، ولا تلبس القفازين ) ، هذا منطوق الحديث ، مفهومه أنُّو غير الحاجة وغير المعتمرة تنتقب وتلبس القفازين ، وهذا هو الأفضل كما قلنا ، ولكنَّنا لا نشدِّد على الناس ، ولا نقول على المرأة المتحجِّبة الحجاب الشرعي السابق الذكر لزامًا عليك أن تتبرقعي أو أن تتنقبي أو أن تتمندلي ، لا ، أنت مخيَّرة ، أو أن تلبسي القفازين .
وبهذه المناسبة بعض إخواننا أبدى ملاحظة جميلة جدًّا ، من شروط الحجاب ألَّا يحجِّم ، طيب ؛ القفازين بيحجموا ، والبرقع يحجِّم ، هذه اللي أنفها ناتئ ، وهذا اللي أنفها داخل ، وهذه جبينها بارز ، وإلى آخره ، إذًا هذا ليس بالأمر الواجب ؛ ولذلك نحن نقول لك : مَن حافظ على الحجاب الشرعي بالشروط الثمانية فهو الحجاب المأمون في قوله - تعالى - : (( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ )) ، الجلباب هي العباءة تُلقيها المرأة على رأسها وتلفُّها على صدرها بحيث لا يظهر شيء من عنقها ، ويكون فضفاضًا وطويلًا ، هذا ما لدي .
السائل : اذكر لنا موقف الفضل .
الشيخ : نعم ؟
السائل : موقف الفضل .
الشيخ : موقف الفضل ؟
سائل آخر : الفضل ، لمَّا كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يشيح وجهه .
الشيخ : إي نعم ، أنت - بارك الله فيك - نقضت سؤالك ؛ لأنك قلت : بإيجاز ، والآن أنت تفسح لي المجال بالإطالة ، نذكره .
سائل آخر : ضرورة يعني .
الشيخ : طيب ؛ أنا ما أؤاخذك ، لكني أذكِّرك وأشكرك ؛ لأنك أفسحت لي مجال .
سائل آخر : جزاك الله خير ، هذه من طبيعتنا .
الشيخ : نعم ، هناك حديث في " صحيح البخاري ومسلم " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع ، وبعد أن رمى الجمرة وقف في طريقها امرأة خثعمية ، وكان ردف النبي - صلى الله عليه وسلم - الفضل بن عباس عمّ الرسول - عليه السلام - وابن عمه هو ، قالت : يا رسول الله ، إن أبي شيخٌ كبير لا يثبت على الرحل - يميل لشيخوخته - ، وقد أدركته فريضة الله الحج ؛ أفأَحُجُّ عنه ؟ قال : ( حجِّي عنه ) ، والفضل ينظر إليها وهي تنظر إليه ، وكانت وضيئةً جميلة ، هكذا في الحديث ، فكان الرسول يأخذ برأس الفضل إلى الجانب الآخر .
سائل آخر : يميِّله ، يزيحه هيك .
الشيخ : يميِّله ، ما يقول لها : استري وجهك ، هنا فائدة فقهيَّة عظيمة جدًّا ، لا يقول لها : استري وجهك ؛ لا سيَّما وقد كاد الشيطان يدخل بينها وبينه - أي : الفضل - ، بعض الناس يتوهَّمون ويظنُّون أنها كانت مُحرمة ؛ ولذلك الرسول لم يأمُرْها بأن تستر وجهها ، نحن نقول : هذه غفلة عن أنَّ هناك سترَين للوجه ، ستر ممنوع للحاجَّة وستر مباحٌ لها ، الممنوع على الحاجَّة هو النقاب هو البرقع ، لكن يجوز لها أن تسدِلَ حجابها سدلًا من الرأس على الوجه .
السائل : كالملاية .
الشيخ : نعم ، هو هكذا ، هذا سدلٌ وليس انتقابًا ، فالانتقاب هو المنهي عنه ( لا تنتقب المرأة المحرمة ) ، مثاله تمامًا الحاج لا يضع القلنسوة ولا يضع الظِّلالة هذه ، لكنه له أن يستعمل الشمسية ، له أن يستعمل الخيمة ، لكن لا يجوز هذه الخيمة أن تمسَّ إيش ؟ رأسه ويتغطَّى بها ، هذا بالنسبة للرجل ، بالنسبة للمرأة لا يجوز المرأة الحاجَّة لا يجوز أن تنتقب ، لكن إذا مرَّ الرجال بها وهي غيُّورة وعفيفة تُسدِلُ جلبابها على وجهها ، هذا أمرٌ جائز لها ، فلو أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان شرَّع للناس أن المرأة يجب أن تستر وجهها هذا هو موضع التنبيه ، فبدل ما يقول للفضل هكذا وجهك يقول لها : يا أمة الله ، اصرفي اكفينا شرك ، وغطِّ وجهك ، لم يفعل شيئًا من ذلك أبدًا ، وهذا أكبر دليل أن تغطية الوجه ليس بالفرض ، ولو كان فرضًا فهذا هو مكانه المناسب ، بل المكان الأوجب ؛ لأنها كانت تنظر إلى الفضل والفضل ينظر إليها .
أخيرًا : نحن نقول التحريم والتحليل ليس بيدنا ، وإنما هو بيد الله ، الرسول - عليه السلام - ليس له أن يحلِّل ويحرِّم إنما هو مبلِّغ ، والتحليل والتحريم وقعت بعض الأمم قبلنا فيه ، فحذَّرنا الله - عز وجل - أن نفعلَ مثل فعلهم ؛ حيث قال - تعالى - في حقِّ النصارى : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، لما نزلت هذه الآية أشكلت على عديِّ بن حاتم الطائي ؛ لأنه كان من العرب الذين تنصَّروا في الجاهلية ، ثم هداه الله إلى الإسلام ، فهو يعرف عادات النَّصارى ، أشكلت عليه هذه الآية : (( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ )) ، قال : يا رسول الله ، كيف هذا ؟ ما اتَّخذناهم أربابًا من دون الله ! هو الحقيقة ما فهم الآية فهمًا صحيحًا ، ففهَّمه الرسول بالطريقة التالية : قال له : ( أَلَستم كنتم إذا حرَّموا لكم حلالًا حرَّمتموه ، وإذا حلَّلوا لكم حرامًا حلَّلتموه ؟ ) . قال : أما هذا فقد كان . قال : ( فذاك اتِّخاذكم إيَّاهم أربابًا من دون الله ) ، فالتحليل والتحريم هذه من خصوصيات ربِّ العالمين لا شريك له ؛ لذلك قال - تعالى - مستنكرًا بالاستفهام الاستنكاري : (( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّه )) حاشا ! إذًا التحريم والتحليل ليس بأيدينا ، نحن تَبَع لما جاء في الكتاب والسنة ، والذي جاء في الكتاب والسنة في هذه القضية هو ما ذكرنا .
وأنا أقول كلمة أخيرة ، ونستأذن أبا مرزوق لنتهيَّأ للصلاة - إن شاء الله - ، أقول كلمة أخيرة : لو أن نساء المسلمين اليوم حافظوا على الحجاب الشرعي بالشروط المذكورة آنفًا لَانتصر المسلمون ، وتبقى قضيَّة الوجه والكفَّين قضيَّة ثانوية لا نشدِّد فيها ولا نجادل فيها .
والسلام عليكم ورحمة الله .
- تسجيلات متفرقة - شريط : 40
- توقيت الفهرسة : 00:03:41
- نسخة مدققة إملائيًّا